كانت ترقب الساعة الحادية عشر مساءا لتقفز خارج سريرها وبيتها متجهة إلى صندوق البريد لتحمل في جيبها رسائله الروحية الجميلة .. ذات يوم كلمها عن تحول البشر إلى أشياء، ويوم آخر حدثها عن انهيار الذكريات ،وكثيرا ما حدثها عن قصص حبه الفاشلة وعن أساليب الفراق وأنواع الخيانة ,...، كان يحدثها عن ذنوبه وعن عيوبه، لم يكن يخشى أن يخبرها بشروره وظنونه عن كفره وإيمانه.. كان يحكي لها عن كل ما يحصل حوله وما يحصل داخله..
لم يكن يخشى شيئا فمن المستحيل أن تراه ومن المستحيل أن تعرفه ، هي جارته العمياء الجميلة ذات الخمسة والعشرين عاما ,، ذات يوم اثر تلقيه لخبر جلجل سلاسل قلبه المغمى عليه أراد أن يتنفس أخيرا بحرية ,,،، فرآها تقرأ كتابا بلغة برايل في حديقة بيتها .. فقرر حينها أن يكتب كل شيء يحصل معه بتلك اللغة ويتركه لها في صندوق البريد,...، وهي تقرأ وترد منذ ذلك الحين ثمانية أشهر مرت ولم يسكت صندوق البريد يوما ,،
لكن اليوم لم تأتها رسالة كالمعتاد، لم تكن فلسفة ولا تهيئات ولا أفكار متناثرة ولا مشاعر مصرفية ولا تحليلات مرقطة لتصاريف الحياة ، كان المكتوب جملة واحدة ,:، "أهديتني آخر أنفاسي الحرة وها أنا ذا أهديك الحياة التي قرأتها في رسائلي "
مات وترك لها المصرف و البيت والحديقة وعيناه و دليل استخدام الحياة
-
مسبحة الخيزرانأكتب ما أكتب لأترك أثرا يذكرني بيوم فهمت فيه شيئا ضئيلا من لاشيء