في بلدي عاشقون للفساد
سميرة بيطام
نشر في 01 فبراير 2022 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
يشتد صمتي أمام قراءاتي اليومية عن قضايا يسكن فيها بعمق ذاك الكذب الملفق بحقائق اجتماعية و قانونية وأخلاقية ، هل أسميها فساد فكري ، هل أنافس فيها تخدير عقول الناس فأسميها ترويض للوعي ،هل أرحل بفكري وأجادل الحلال لأزكيه وأطلب منه أن يكسر قافية رفضت أن تهدر حق اللغة من الصواب في التسمية ان ما كان عشقا أم حبا ، صرت أفتش عن الحقيقة داخل انفاسي لأني أتنفس هواء طبيعيا وأرجو أن تبقى كذلك بلا شكوك، دنوت من طبيب لأسأله عن موجبات ومخلفات ومؤثرات ما يحدث اليوم في العالم و ليس في بلدي فقط ، فأجاب أن الطبيعة ستتدخل في الوقت المناسب، قلت في قرارة نفسي أين الطبيعة وهي الضحية الأولى لجرائم الفساد؟ انها مسرح خصب و ممتاز لجريمة الافساد ، لربما العشق يرفض أن أحترم قانون الصفح الجميل لأنه لا غفران مع من أخلط الوهم بالحقيقة، صارعتني في الفكرة أفكار لتقول أن العاشقون للفساد لا يتركون شبرا من خير الا نسفوه ولا عطرا من رائحة الأمل الا سلبوها فيحها الجميل، أرفض أن يستقر الفساد ويعم الأرض والفكر والهواء والبحر، لكن رفضي ليس شرعيا أمام هيام العشاق للفساد، ولغيري من الرافضين طريقة أخرى ليعبروا عن استيائهم مما يحدث أمامهم ولا أحد يقدر أن يغير الحال الى آخر الا جزئيا، أحمد الله أن استقرار الأجزاء موجود والا انحرفنا عن ثبات القيم الى الهاوية، صعب العشق للفساد ،فلو كان حبا لاستطاع المبطلون له أن يخففوا من حدته على الأبرياء والضحايا، لكن العشق لا يصف لنا منتهاه، لأنه هائم في الاستمرار بلا توقف لا خوف من حساب الله لمن عاثوا فسقا وفجورا.
فساد في اعطاء المعلومة اعلاميا ،فساد في سرقة المال العام،فساد في الأخلاق في الادارات ووكر المكاتب المغلقة،فساد في الأسر بسبب قوانين غريبة عن مجتمعنا و من قام بخياطة مضمونها غرباء عنا ، فساد في الوزارات والطبول تقرع عند من هم أقل مساحة ووظيفة ودورا ،فساد في النخبة الساكتة لأنها تعبت وملت و فقدت الثقة و لكنها لا تريد قول ذلك حتى تبقى نخبة في نظر من يعرفها، فساد لدى من يحارب الفساد تحت لواء القانون لأنه عليه أن يحمي الفاسد حتى لا يزعجه بحرمانه من العشق الممنوع.فالمتمردون سيكثرون و الفوضى ستعم،فاطلق سراحهم مرة واسجنهم مرة أخرى حتى يقول الاعلام كلمته ،فالاعلام متطفل هنا و هناك.
لست أستنسخ الرؤيا من بلد آخر فامتداد بصري لا يتعدى حدود بلدي، فكل في شأنه حر وكل في عيشه مقرر،و شتان أن نصف واقعنا بواقع غيرنا، نحتاج لزخم من المحاربين للفاسدين بلا رحمة، وربما نحتاج أن يحاسبهم الله لأنه أدرى بما يخفى علينا في العديد من المرات من تخطي العشق للفساد بتنوع مجالاته، عبثا أن نصدق أن الفاسدين مرتاحون في حياتهم فأكل السحت مر طعمه وصيد الصحة لن يقوى على اكتفاء في النعمة، عبثا أن نعتقد ان الفاسدين نهاياتهم مرضية بحسن الخواتيم، ومن العبث الشديد أن نظن أنهم سيستمرون أكثر في استغلال للفرص ، فدعاء الضحايا يرتفع للسماء دائما وصبر المحتسبين تزينه مراسيم التعويض المؤجلة، اذن هي معادلة متكافئة النتائج في بداية الطرح والزيادة و النقص، عبثا نستنتج الخوف أن العشق للفساد مهدد لوجودية الصفاء والحلال والطهر، ينحني الخوف رافضا أن يعترف أنه اجرام منسجم مع نصوص القوانين المحاربة له، لأنها فعلا تزكي هذا العشق و تمده ببعض المراوغات ليزداد توسعا بغير محاسبة جريئة وعادلة، يحتج البعض ترتفع صيحات المحاكم ضد الفساد لكنه يتسلل في الجينات و يتعقب الأثر في حب الافساد لأنها صارت غريزة أخشى أن تصبح فطرية تولد مع الجنين لأن أبويه فاسدين و من غير المعقول أن لا يولد فاسدا مع أول صرخة له للحياة، اسمح لي أن أستودع أفكاري لأني لا أحب الحديث عن العشق الحرام ،صراحة أرفض أن يأخذ وقتي وسفر فكري وتحليلاتي وسأسعد لو أن قرائي عقبوا على مصطلح العشق في الفساد أو بالأحرى الفاسدون العاشقون في بلدي، هل بلدانكم فيها هذا العشق أم أن فاسديكم اكتفوا بالحب فقط لما يسمى الفساد ؟.
-
د.سميرة بيطاممفكرة و باحثة في القضايا الإجتماعية