حين تضرب الأهواء أمم الحضارة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حين تضرب الأهواء أمم الحضارة

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 25 يوليوز 2018 .

حين تضرب الأهواء أمم الحضارة..

هيام فؤاد ضمرة..

هو سؤال متفجر في أذهان العقلاء والمتزنين ... كيف لباريس بلد الرومانسية والجمال والعطر الفاخر والموضة النموذجية أن تفقد بهاءها الأسطوري وتتحول ساحاتها إلى مسرح للتعبير الغريب عن الفرح بالفوضى والعنف حد التخلف..؟

ففي حين تخرج جموع شعوب العالم الثالث الفقير إلى الأماكن العامة، للتعبير عن فرحها بالغناء والرقص والاستعراض الجميل؛ فينقلون شعور فرحهم إلى كل العالم، كما في دول أمريكا الجنوبية الفقيرة، أو بخروج مواكب السيارات والدراجات في استعراض جميل تصاحبه أهازيج الفرح كما في الدول العربية والخليجية بصفة خاصة ممن يطلق عليهم العالم الثالث.. نجد بالمقابل من يسمون أنفسهم بالعالم الأول المتحضر كبريطانيا وفرنسا وكندا وأمريكا الشمالية تصاب جماهيرهم بهستيريا الفرح أو هستيريا الغضب فالأمر عندهم سيان، من خلال التعبير بالفوضى والشغب بالتكسير والتخريب ورشق رجال الأمن بالأدوات الخطيرة، تاركين أماكن احتفالهم وقد نالها الدمار وكأنها ساحة وغى شهدت للتو عراكا بين فريقين

جنون ما بعده جنون إلا التخلف؛ وشغب ما بعده شغب إلا انحطاط القيم؛ فأي احتفال هذا الذي يتم فيه التعبير عن الفرح بصورة سلبية جنونية تخرج عن المألوف في مشاعر الاحتفال، ويصاب جمهور المحتفلين بانقلاب مزاجي مفاجئ غير منضبط، فتتلاعب بعقولهم الخمرة والمخدرات أو شذوذ التفكير، وتصيبهم فتنة الانتشاء بالنصر، وتؤخذ عقولهم بهذه الفتنة حد التطاول إلى التخريب وكسر أبواب المحلات ونهب محتوياتها.

بأي المصطلحات يمكن تسمية الأحداث في فرنسا؛ حين خروج الجموع الفرنسية إلى الساحات العامة للتعبير عن فرحها بالصورة الهمجية الغريبة، من خلال تكسير واجهات المحال التجارية ونهبها بصورة جماعية اشترك فيها الفتيات إلى جانب الفتيان، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل أن الشكل الحضاري الذي يبدو عليه الغرب ليس إلا قشرة رقيقة جدا مفتعلة، تخفي خلفها حقيقتهم الهمجية المتمكنة على جيناتهم، والمترسخة في عقلهم الباطني، وحقيقة نفوسهم التي تميل ميلاً طبيعياً نحو العنف والشغب والهمجية، وهذه بالتأكيد تؤدي على المدى الطويل في لحظة تلاعب ببرمجتهم العصبية إلى التراجع الحضاري الخطير؛

هي الصورة التي بدا عليها الشعب الفرنسي الذي يسمى نفسه بالعالم الأول المتحضر الذي عبر عن فرحه بالفوز بطريقة همجية غير سوية أثر فوز فريق دولته ببطولة كأس العالم في كرة القدم في مواجهة الفريق الكرواتي الذي يقفز لأول مرة للصدارة، ولنا في هذه المناسبة أن نستعيد صورة العنف التي مارسها الشعب الفرنسي خلال انتخابات الرئاسة الفرنسية لنتساءل بكثير حيادية.. هل الشعب الفرنسي يستخدم طريقته في العنف في التعبير عن الفرح وبالتعبير عن الاعتراض من قبيل التنفيس عن ضغوط داخلية يعاني منها بسبب انعكاس نظام العولمة على اقتصاد بلاده وعلى وضعه الاقتصادي، أم أن العنف هو دلالات أصيلة بطبعه..؟

أما أسباب ميول الشعوب إلى العنف في التعبير عن حاجاتها النفسية والحقوقية فمرده بالدرجة الأول إلى ضعف شعوره بالعدالة الاجتماعية والضغوط التي يسببها القصور المادي في تغطية نفقات الاحتياجات المعيشية، وشعور الناس أنها تدور داخل حلقة مفرغة دون أن تتقدم عن موقعها..

إضافة إلى سيطرة الشعور بالنقص أمام انتشار الأمومة خارج الزواج عند غالبية الأوروبيين، وتعريض الأطفال للتبني وافتقاد شعور الانتماء الحقيقي للأسرة المتبنية، خاصة إذا ما أسيء معاملة الأطفال المتبنين، وشعروا بالتفكك الأسري، وكثير منهم يتعرض للاعتداء الجنسي مما يترك الأثر السيء على نفسيتهم بعد النضوج..

عدا عن دور الاعلام وما تبثه من صور عنف ومن أكاذيب عنصرية تشحن العقل تجاه الآخر، وتولد حالة من عدم الرضا وعدم التقبل..

ولسنا بغافلين عن دور تدني الأوضاع الاقتصادية في العالم، وعدم توفر فرص العمل، وغلبة شعور اليأس والتحول إلى الاكتئاب واتجاههم نحو تعاطي المخدرات وشرب الكحول لتخطى حالة القلق العام مما يعرضهم إلى تثبيط مراكز العمل الايجابي في الدماغ، مما يسبب ضعفاً في الوعي بالمعايير الأخلاقية، مما يجعلهم بالتالي أكثر عرضة لممارسة السلوك العنيف، وأكثر استجابة للتلميحات العدوانية والعنيفة والخارجة عن المألوف..

وفي العادة يكون الناس وسط التجمعات والحشود أقل كبتاً لجماح تصرفاتهم السلبية، وأكثر سهولة لانفلاتهم عن حدود التوازن العقلاني، وأكثر جاهزية للخروج عن قيم التعامل والرضوخ للتقليد دون وعي ولا إدراك، بمعنى أن فئة قليلة تتصرف بسوء سرعان ما تنتقل العدوى للآخرين فتقلدها الجموع دون تفكير وكأنما أصابها سحر التقليد..

ضعف بيئة التواصل بين أفراد المجتمع الواحد يجعل الناس شديدة التوتر وشديدة التأثير بالآخرين حينما التصرف يصبح جماعيا غير مدرك تماما للمشاعر الحقد المتنامية تجاه من هم أفضل مادياً منهم، فتتنامى الدوافع النفسية للتعبير عن روح الحسد..

ويؤكد الدارسون السيكولوجيين أن تنامي شعور القهر عند الشعوب التي باتت تتراجع ظروفها الاقتصادية وتتباعد أسباب استقرها النفسي هي عرضة لتفريغ شحنات غضبها وغلها عن طريق النهب والفوضى والتصرفات الهمجية غير المتوازنة من قبيل امتصاص مكابدته الداخلية فيتحول إلى التخلف ومن ثم يرتكب ما لا يستوعبه العقل الواعي..

وما اعتقده حقيقة أن التخلف ليس حالة تؤخذ بالمظاهر الخارجية والعلمية والتعليمية وعدم امتلاك القوة العسكرية وقصور مظاهر التقدم الحضاري فقط، بل بطبيعة الانسان ومزاياه البشرية من خلال حجم ونوع القيم التي يحملها في داخله، فلا أعتقد انسانا يحصل على الحقوق القانونية بعيدا عن الحقوق النفسية مؤهلاً لأن تكون تصرفاته حضارية ومسالمة، لأن السلام النفسي هو حالة عقلية وعاطفية تمنح الشعور بالسكينة، بعيداً عن العواصف المزعجة التي من الممكن أن تعصف بالذهن وتعكر مفاهيمه، سكينة تمنحه الرضى والحصانة الذاتية، والقوة في مواجهة الظروف الغريبة.

الأطفال بذور المستقبل والأسرة تربتها الخصبة، فبقدر ما تزرعون في قلوبهم المحبة وتسقونها بالحكمة والموعظة وتمنحوهم دروس الحياة بقدر ما سيمتلئون حين وصولهم إلى سن الرشد بالسلام النفسي ويؤهلهم ذلك للسلامة وللحصانة.


  • 1

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 25 يوليوز 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا