لماذا التعصب في مجتمعاتنا؟
محاولة للنظر في مشكلة التعصب والإنغلاق الفكري من زاوية أخرى
نشر في 08 فبراير 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
لو أراد أحدنا توضيح مفهوم التتعصب؛ غالبا أول ما سيلوح في ذهنه صورة المتدين المتصعب ذو اللحية الطويلة والثوب القصير، أو غيره من مظاهر التدين الطقوسية. وقد يفسر هذا في أن التعصب الموجود في الساحات المتدينة دائما ما يطفوا على السطح، بل ويحلق خارج الأسوار. فهو يظهر على المنابر ذات الصدى الرنان، والوسائل الإذاعية المتلفزة والغير متلفزة منها، فضلا عن المؤلفات من كتب ومقالات. ولكن لا يكاد أحد يلقي بالا للتعصب في الأوساط االغير متدينة، فهل هو محصور فقط على المتدينيين؟
التعصب كما أفهمه، هو أن ينهزم الشخص أمام فكرته، حيث لا يستطيع أن يشهر سيف عقله أمام ما يقبع من أفكار في مخيلته. فهو يرى أفكاره صحيحة بلا شك ولا وجود لإحتمالية الخطأ فيها، فلا يقبل فيها نقاشا أو جدالا مهما كان نوع الفكرة دينية، علمية، فلسفية، الخ... ثم ينتقل التعصب لمرحلة أخرى حيث يشعر المتعصب بالعداء اتجاه كل من لا يقبل فكرته أو يدعوا لأفكار تخالف فكرته. وبالطبع يكتمل مسلسل "يوميات متعصب" مع بطلنا المتعصب وهو يحارب معارضيه بما توفر له من إمكانيات الحرب مما قد يصل إلى هتك للأعراض وسفك للدماء. وهذا الوضع لا شك أنه يصيب الأوساط المتدينة أكثر من غيرها، لكن من الواضخ أن مجتمعاتنا العربية القابعة تحت أنظمة الظلم، والقهر، والإستبداد تعاني وبوضوح من مشكلة التعصب على جميع الأصعدة وفي جميع الأوساط داخل المجتمع، فلا تكاد ترى نقاشا جادا بين طرفين ينتهي من غير شتم وقذف بين المتخاصمين. ولنا في برنامج الاتجاه المعاكس مثال واضح وصريح فالتعصب لا يكون حيا ومباشرا بين الخصمين فقط، بل كل من يتابع البرنامج يكون متعصبا ويشبع تعصبه ورغبته في النزاع في أن يتابع مثل هذه البرامج، فهو إن لم يتعصب واقعيا يتعصب نظريا ويشبع رغبته. وإلا لماذا نتابع الإتجاه المعاكس؟ هل يوجد فائدة مرجوة من مشاهدة اثنين "يردحون" لبعض على الهواء؟
بعيدا عن هذا اللغط، دعونا نغمض أعيننا ونتخيل مجمتعا متنوع الأفكار والمذاهب لا يخضع لأي نوع من الظلم أو القمع أو الإستبداد، بل يتيح الحريات بشكل قد يوصف بأنه مبالغ فيه. هل سنرى فيه نفس نسبة التعصب عند المتدينيين أو غيرهم....؟ لا أظن ذلك. لأن التعصب كما أفهمه طبع أو عادة اجتماعية تكتسب من البيئة التي ينشأ فيها الشخص فلو نشأ في بيئة تسمح للجميع بالتعبير عن رأيهم بحرية ولا تفرض القيود على كل ما يقال وينشر ولا تقتل الضمير في قلوب الناس، سيكون من الطبيعي لمن ينشأ في هذه البيئة الحرة أن تتم معارضته في أفكاره ومعتقداته ولن يشعر بالبغض والحقد اتجاه كل من خالفه. لذلك يجب دراسة مفهوم التعصب كمفهوم اجتماعي، فالتعصب موجود في جميع الأوساط الدينية والغير دينية. ولكي أثبت أن التعصب موجود في الوسط الغير ديني، سأشير بلمحة سريعة إلى الإتحاد السوفيتي، والتعصب للشيوعية، وكمية المجازر والحروب الأهلية التي وقعت تحت إسم الشيوعية والاشتراكية. فلو أن شخصا يعيش في الاتحاد السوفيتي قديما، وصرح بأنه يؤيد النظام الرأس مالي؛ غالبا كان سيحاكم كخائن للدولة أو يرمى في مصحة المختلين عقليا، وقد وصل تعصبهم لفكرتهم إلى إقحام الأمور العلمية في سياساتهم. فقد تبنى الاتحاد السوفيتي نظرية دارون التطورية وعاقب كل من يخالفها، حتى أنه بعد ذلك عاقب كل من اعترف بقوانين مندل في الجينات ظنا منهم أن قوانين مندل تبطل نظرية التطور. لذلك يجب التنويه إلى أنه لا يمكن معالجة مشكلة التعصب والإنغلاق الفكري من غير فتح المجال للحريات والحوار ورفع يد الإستبداد عن المحافل الثقافية والعلمية ونشر ثقافة الإختلاف والرأي والرأي الآخر.
وأود أن أنهي بما قاله الفيلسوف بيرتراند راسل: "لن أموت أبداً دفاعاً عن قناعاتي، فقد أكون مخطئاً".
-
أحمد رشيدطالب هندسة مهتم بالشأن العام والعلوم عموما.
نشر في 08 فبراير
2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022
.
التعليقات
لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... ! تابعنا على الفيسبوك
مقالات شيقة ننصح بقراءتها !
مقالات مرتبطة بنفس القسم
Layan Alanazi
منذ 1 سنة
متى نمتلك اليقين؟
كثيرٌ ممَّا كان من المسلَّمات سابقًا دُحض وصُنِّف على أنه خاطئٌ اليوم. فمركزية الأرض وتابعية الشمس والقمر كانت من المسلَّمات التي تؤمن بها كامل البشرية قديمًا، والتي كانت تُدرّس في المدارس، وتنشر في الكتب والمقالات، حتى أتى اكتشافٌ غيّر منها،
أحمد عمر
منذ 2 سنة
ضريبة التنازل والإحترام ... تؤدى إلى التجاهل وعدم الإهتمام
الصداقة من الصدق ،وتُعرف الصداقة بأنها رابطة المودة والإخلاص بين شخصين أو أكثر، كل منهم يشعر بحب كبير تجاه الآخر. وتتميز علاقة الصداقة بصفات شخصية إيجابية مثل اللطف والكرم والولاء والصدق. ويعد كل إنسان لديه صديق مخلص من أسعد البشر
حمد عمرو
منذ 2 سنة
مريم الهادي
منذ 2 سنة
Amira Mbarek
منذ 2 سنة
الإرشاد الأسري: زبدة دراسة وجيزة.
أهداف الارشاد الأسري: • المحافظة على الصحة النفسية للأسرة وأفرادها. • احداث تغيرات ايجابية في المعتقدات والأفكار والسلوكات.• مساعدة الأسرة في حل المشكلات واتخاذ القرارات. • تحقيق الذات وتكوين مفهوم ايجابي عنها.• تمكين أفراد الاسرة من التواصل فعال وتحقيق التكيف الاجتماعي.متطلبات المرشد الأسري الناجح: • متطلبات
salsabilhizi
منذ 2 سنة
ضياء الحق الفلوس
منذ 2 سنة
Fatma tarik
منذ 2 سنة
نهيلة بلدي
منذ 3 سنة
خالد بوفريوا
منذ 3 سنة
hiyam damra
منذ 3 سنة
زبيدة عاطف
منذ 4 سنة
أسامة عثمان
منذ 4 سنة
مرغيد مريم
منذ 5 سنة
عمق البتول
منذ 5 سنة
Beddiar khelifa
منذ 5 سنة