كثيرا ما تأتينا فرص لا تتكرر أو نادرة الحدوث فيحصل أن ننشغل عنها أو نتهاون بشأنها أو نقلل من قيمتها أو نستمع لرأي من لا يحب لنا الخير يزهدنا فيها فتضيع الفرص بسبب سوء التقدير وعدم أخذ الأمور على محم الجد.
فيقال لمن حاول امتلاك شيء ضيعه حين أُتيحت له الفرصة:
أصبحت تنفخ في رمادك بعدما *** ضيّعت حظّك من وقود النّار
أي أن النار (الفرصة) عندما كانت موقدة ومشتعلة لم تستفد من حرها ودفئها، ولم تطبخ عليها وتستفد من لهيبها، فلما انطفأت ولم يبق إلا الرماد (آثار الفرصة وذكراها) الذي يستحيل أن يشتعل؛ بدأت تنفخ فيه لعل وعسى أن يشتعل من جديد (لعل وعسى أن تعود الفرصة من جديد).
فيقال له في هذه الحالة أيضا:
"الصيف ضيعتِ اللبن" وهو مثل شهير يُضرب فيمن ضيع الفرصة وفوت الغنيمة، وحكى عن الأصمعي أنه يُضرَب لمنْ تركَ الشّيءَ في وقتِهِ.
وينطبق عليه قول القائل:
والمرئ تلقاه مضياعا لفرصته *** حتّى إذا فات أمر عاتب القدرا
ومعناه أن الفرص لما تكون بين أيدينا نتهاون في شأنها، ونقلل من قيمتها، لكنها إذا ما ذهبت وتبخرت نتحسر على فواتها وتضييعها، ونعاتب الحياة والقدر، والعيب كل العيب في قرارنا السيء، والعتاب كل العتاب في تفكيرنا الذي لم يفلح في اختيار الأصوب.
فنصبح كما قال القائل:
نعيب زماننا والعيب فيــــــــنا ... وما لزمانــنا عيـــــــبٌ سوانا
ونهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ ... ولو نطق الزمان لنا هجانا
لذلك فلتغتنم الفرَص قبل أن ينطبق عليك معنى الآية ( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ).الآية، فتندم مثل ندم الكُسَعِي الذي عبر عن ندمه قائلا:
ندمت ندامةً لو أنّ نفسي ... تطاوعني إذا لقطعت خمسي (أصابعه)
تبيّن لي سفاه الرأي منّي ... لعمر أبيك حين كسرت قوسي
لقد ظن الكُسَعي في بعض رحلات الصيد أنه أصاب الهدف -وكان لا يخطئ- عندما رماه بقوسه؛ فكسر قوسه ظنا منه لأنه اصطادها (كما تظن أنك أصبت الرأي عندما قررت أن لا تغتنم فرصتك ظنا منك أن قرارك صائب فقررت تركها) لكنه لما اقترب من الطريدة تبين له أنه ما أصابها وفرت، فندم ندما على رأيه الذي بسببه كسر قوسه (كما قد تندم أنت أيضا على قرارك لما تدرك أنك لم تحسن الاختيار).
ولقد ندم الفرزدق الشاعر يوما لما طلق محبوبته نوار، ولم يصبر عليها لما كان معها، فندم ندامة الكسعي فقال:
ندمت ندامة الكسعي لما *** غدت مني مطلقة نوار
وندامة الكسعي هي أن نعض على أصابعنا ندما على تلك الفرص السانحة، التي فوتناها بسبب طيش، أو سوء تقدير.
والمشكلة أنك كلما تذكرت الفرصة الضائعة، ستقول كما قال الآخر:
إذا فكرتُ في نَدَمي عليها *** عضضت أناملي وقَرَعْتُ سني
ولكن هل ينفع الندم؟
فالفرصة إذا لم تغتنمها تصير غصة، تغص حلقك وتنشف ريقك كلما ذكرتها، وذكرت ما فات فيها من محاسن وفوائد كان يمكن أن تكون في متناولك، ولذلك إذا لاحت لك فرصة في أي مجال يهمك اقتنصها، وتذكر أنه من الخطإ العجلة قبل الإمكان، فلا نفع للعجلة في شيء لم يكن بعد، والعجلة في غير محلها ندامة، وفي المقابل لا تأنِّيَ ولا انتظار بعد ظهورالفرصة، إذا كانت الفرصة فرصتك فبادر إليها، واظفر بها، وكن من السباقين إليها، فالفرص قلما تتكرر مرة أخرى.
____________________
مصطفى الطنجي