المصالحة مع العقل : بقلم إحسان طالب - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

المصالحة مع العقل : بقلم إحسان طالب

مقدمة كتاب : في علم الإصلاح والتجديد (*)

  نشر في 27 أبريل 2015 .

البحث المعرفي كأداة للتغيير والإصلاح ومنهج لسبر أغوار التقدم والتطور يقوم ببساطة شديدة على عنصرين: الباحث ومادته، العنصر الأول حي متحرك متقلب لا يهدأ، لايكل ولا يمل يطرق أبواب سماوات الحقيقة معتليا ناصية المعرفة يحمل أدواته وعدده، يطيل مقامه لدى مناجم العلم والمعرفة عله يستخرج من بواطنها طاقة أو جواهر أو مادة أولية تتحول لمنتج يقدم فائدة، يلبي حاجة، يضيف فكرة ثم ما يلبث ممتطيا راحلته متابعا مسيرة جديدة يفتح عبرها آفاق مبتكرة لإشكاليات قديمة مزمنة مازالت قيد الدراسة والتحليل عصية عن الحل. أماالعنصر الثاني أي مادة البحث فهي الأفكار والإنسان كقيمة فردية و اجتماعية. لقد تحدث ابن خلدون عن القوة المادية للأفكار، وفي تقديرنا فالإنسان أياً كان، ومهما علا أم دنا شأنه لا يتحرك أو ينفعل بالأحداث إلا انطلاقا من ثقافةٍ وتربيةٍ قارة في وعيه، تدفعه للتفاعل والعمل بإرادته، وفي أحايين كثيرة دون أن يدرك، فاللاوعي الكامن، والمُدرك المستقر في الوجدان والضمير والفكر، لهما أكبر الأثر في تحديد سلوك الإنسان ورسم مسار تفاعله وانفعاله. الثقافة الجمعية السائدة في أجزائها الحائزة على التقدير والاعتبار تمتلك قوة مؤثرة في صياغة القناعات والآراء الفردية والمجتمعية. وفقا لتصورنا ذاك نعتقد أن التغيير الأمثل ينطلق من تلك المنطقة تحديدا والبحث عن موجوداتها والكوامن المتشكلة فيها، وما أفرزته من رؤى جمعية تتحكم بانتماءات وقرارات ومواقف الجماعات والأفراد، وحتى لو بدى لنا للوهلة الأولى أو بنظرة متسرعة تغّير المزاج الجمعي تبعا لظروف سياسية أو طبيعية، إلا أن تلك الكوامن تبقى المؤثر الأول حتى لو توارت خلف بعض الظاهرات المؤقتة. لذلك نظن بأن النهضة ليست مجرد حركة عقلية تتنازع داخلها الأفكار والماديات فقط، بل هي كذلك حركة اجتماعية تفهم بصورة أفضل لدى تفحص ديناميات المؤسسات والقوى المادية والعلاقات الاجتماعية التي يفترض تضافرها معا أو حتى صراعها فيما بينها لتحقيق التغيير، والسيمياء المرتبطة بها – أي النهضة – هي العقل والعلم والحقوق الطبيعية والحرية والمساواة والتسامح والتطور والتقدم، ولا يصدق تحققها بتجاوز الفضيلة أو الاستهانة بالفضائل الاجتماعية.

إن دراستنا هذه استكمال لما سبقها من دراسات نشرناها، تندرج جميعها ضمن سياق هاجسه الإنسان ومجتمعه، وكانت ردود الأفعال عليها إيجابية ومشجعة، ما زاد في عزيمتنا وشد من أزرنا لمتابعة البحث والفحص والتقصي بغية تقديم مساهمة متواضعة في رواق النهضة المشغول بمتناقضات وتنازعات حالت دون استقراره، وتحوله لمقر ينتج فكرا وتجديدا يؤسس لعوامل النهضة المتعثرة.

انطلقنا في مقاربتنا من قاعدة تحميل الإصلاحيين والباحثين مسؤولية أكبر لتعثر مسيرة النهضة والإصلاح, فإلقاء اللوم بشكل دائم ومستمر على الثقافات السائدة وعلى صلابة ومتانة وتماسك النص الموروث، لم يعد محفزاً ولا مؤهلاً لعرض جوهر الأزمة النهضوية وتداعياتها. لا شك بأن تًشبع المدرك الجمعي للشعوب والمجتمعات العربية والإسلامية بالفكر السلفي، بنى عوائق نظرية ومؤسسية تحول دون تحقيق تقدم متواتر في مساعي الحداثة والتقدم والتطور، إلا أن ذلك ليس عذرا كافيا لتبرير تعثر أو فشل العمل أو التجربة النهضوية الإصلاحية التاريخية، بل نعتقد بضرورة إعادة النظر ومراجعة الخطط والمناهج المعتمدة من قبل المدارس التجديدية والإصلاحية.

عملية الاستنهاض طويلة وشاقة تسير وفق ميكانزم ( 1 ) خاص، مالم يتم التدقيق والتمحيص بذلك النظام، سيتابع مسيرته المتعرجة غير واضحة المعالم والأهداف، وسيتراكم منتج ذي مواصفات غير مؤهلة لحمل عبء التحول من ثقافة النقل والمشافهة إلى ثقافة النقد والبحث والتصحيح، وعلى الرغم من عدم وضوح قواعد وآليات الاستنهاض فإنه من الضروري لبلوغ الغاية السعي والمثابرة لجلاء قوانين النهضة والتقدم، وعدم الاكتفاء باستجرار الطروحات القديمة وتطبيقها على الحاضر.

سيكون النسق الناظم لبحثنا ملتزما مسار الإصلاح والتجديد يتبعة حيث سار ويلحقه حثيما دار، لذلك كانت اختيارات الأبحاث قريبة بل ملاصقة للنسق ومرتبطة به وفق اجتهاد رأينا من خلاله اقتران مواد محددة بجوهر الموضوع.

عدم وقوفنا طويلا عند علم التأويل ليس مرده ابتعاده عن النسق، بل هو من صلب الموضوع ومن أساسياته، إلا أنه علم قائم بذاته، ليس من الإنصاف المرور عليه مرور الكرام دون إطالة أو مكوث، وإيفاؤه حقه يعني إطالة مرهقة للقاريء، لهذا آثرنا ترك علم التأويل كونه يحتاج لدراسة خاصة، ولا يكفي ادراجه كفصل ضمن مجموعة من الأبحاث المتعلقة بمادة كتابنا ومسارات دراستنا.

هامش :

1 – ميكانزم : في علم الاجتماع هو آلية يهدف عبر منظومتها التوصل إلى نتيجة معينة عبر مجموعة من القواعد من خلال تفاعل عدد من العوامل.

* كتاب المصالحة مع العقل مقدمة في علم الإصلاح والتجديد : المؤلف: إحسان طالب ، الناشر دار متري حمص سوريا، تاريخ النشر 2008، عددالصفحات 300 من القطع الكبير



  • 3

  • Ehsan Taleb
    احسان طالب كاتب وباحث في الدراسات الإسلامية من دمشق ، سوريا. مواليد 1956 ولد في عائلة مسلمة تلقى تعليما متعدد التوجهات والده هو الشيخ بهجت طالب ، كان واحدا من أئمة المساجد الشهيرة في دمشق في مرحلة المراهقة المبكرة ، تعلم ا ...
   نشر في 27 أبريل 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا