مكتبة داريا السرية
ميثيلى راو- الجارديان – ترجمة / محمد احمد حسن
نشر في 04 أبريل 2021 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
بدأ الأمر بصورة نشرت على صفحة (( Humans of Syria )) على موقع فيس بوك في عام 2015 . الصورة لشابين يقفان في غرفة بلا نافذة و تحيط بهم أكوام من الكتب . التعليق المكتوب على الصورة يقول : (( مكتبة داريا السرية )) . و حينما تقع عيناها على الصورة تشعر الصحفية المقيمة في اسطنبول ( دلفين مينوى ) بالذهول من منظر هذه (( الفترات الفاصلة الهشة في منتصف الحرب )) . فمن هم أولئك الشبان ؟ و إلى اى شئ كانوا يسعون ؟ .
في عام 2012 بدأت قوات الحكومة السورية في حصار مدينة داريا التي تبعد خمسة أميال عن دمشق . و خلال سنوات الحصار الأربع التالية شرع أربعون شابا سوريا في مشروع لافت للنظر هو إنقاذ كل الكتب التي استطاعوا أن يعثروا عليها في أنقاض مدينتهم التي تم قصفها . هناك شئ مغر بشأن فكرة المعرفة كدرع واق ضد العنف الوحشي و هي الفكرة التي تلاقى صداها فورا لدى مينوى التي كتبت (( المكتبة هي قلعتهم الخفية ضد القذائف )) . و كتبت كذلك (( الكتب هي سلاحهم لتعليم الناس )) .
تقتفى مينوى آثار احمد معضمانى المصور الذي يقف وراء الصورة المنشورة و أحد مؤسسي المكتبة . كانت داريا لا تزال تحت القصف و لذلك فإن لقاءاتهم كانت تجرى عبر الانترنت . بعض ملامح أوصاف مينوى اللافتة للنظر هي أن اتصالاتهم الالكترونية كان يسودها التوتر و العصبية . حيث تكتب عن أول مكالمات جرت بينهم على سكايب أن (( صورته تتمدد و تصبح أشبه بمسخ كلوحة لبيكاسو )) . و تواصل (( كلما كان الاتصال ينقطع بسبب انفجار ما فإن صوته يأتي مضغوطا و يبدأ في تغطية مكتبي في اسطنبول بكلمات صغيرة و مشوشة )) .
حازت مينوى التي تحمل الجنسية الإيرانية و الفرنسية على جوائز من اجل تقاريرها الصحفية من الشرق الأوسط و لكن لم تكن قادرة على السفر إلى سوريا من اجل هذه القصة . حيث تبدى استغرابها قائلة ((كيف تستطيع أن تصف شيئا لا تستطيع رؤيته )) . و أخذت تعوض نفسها عن الذهاب لأرض الواقع بمزيد من لفت الانتباه و التعاطف .
و بمرور الوقت تبدأ الحرب لتشعر بأن الأمر ليس بعيدا . ففي نوفمبر 2015 تجد مينوى نفسها تهاتف الأصدقاء و العائلة في باريس بشكل محموم بعد أن علمت بأمر الهجمات على قاعة احتفالات باتاكلان و ملعب ( ستاد دى فرانس ) . تهتز لإدراكها أن (( العنف قد وصل إلى مسقط رأسي )) (( الملجأ الآمن الذي اذهب إليه لأستعيد طاقتي وسط مهام التغطية الإخبارية القاسية للحروب و الثورات و الأزمات السياسية )) . فجأة تشابكت الخيوط و من ثم في صباح ذات يوم في اسطنبول و بينما كانت مينوى و ابنتها سامراء ذات الأربع سنوات في طريقهما إلى جلسة الحكى الأسبوعية في المركز الثقافي الفرنسي زرع عنصر انتحاري قنبلة بالقرب من مدخل المركز . تسحب مينوى سامراء إلى الداخل باحثة عن ملجأ بين الكتب . التطابق كان غريبا .
بعد عدة شهور من الحوارات مع معضمانى و أصدقائه تأكدت ظنون مينوى بأن الكتب تمثل شكلا حيويا من أشكال الهروب الروحي . فقبل الثورة كان معضمانى يدرس الهندسة و يستمتع بلعب كرة القدم و كان يخصص وقتا محدودا للقراءة . لقد غيرت الحرب كل ذلك . حيث يقول أبو العز المدير المشارك للمكتبة أن (( الكتب هي طريقنا لتعويض الوقت الضائع و لهزيمة الجهل )) . و حينما تتحدث مينوى إلى شاب أخر كان عنصرا مسلحا حول لماذا اتجه إلى الكتب فيقول لها (( حدث ذلك حينما ادركت أن الحرب يمكن أن تستمر لأعوام )) . لقد كان صريحا حيث قال (( القراءة تذكرنا بأننا بشر )) .
لم تكن لدى داريا مكتبة عامة أبدا خلال عهد بشار الأسد . و لذلك فإن إنقاذ الأدب كان أيضا عملا سياسيا و مدنيا . و بعد أن تم اكتشاف المخبأ الأول للكتب في أنقاض منزل سوى بالأرض انضم عدد من المتطوعين لإنقاذ المزيد من العناوين . و خلال أسابيع كانت المكتبة تتباهى بإنقاذ 15000 مجلد . و كان أمناء المكتبة يعتنون دائما بكتابة اسم المالك الاصلى لكل كتاب على صفحة الكتاب الأولى فهم لا يستبعدون احتمالية عودة شخص ما ليطالب بهذه الكتب في يوم من الأيام .
العناوين الأكثر شعبية تتراوح ما بين كاتب المساعدة الذاتية ( التنمية البشرية ) قام بتأليفها تونى روبنز و ستيفن كوفى إلى كتب كلاسيكية عربية مثل كتاب (العبر ) للمؤرخ التونسي ابن خلدون الذي عاش في القرن 14 الميلادي أو قصائد رومانسية للشاعر السوري نزار قباني . و لتصبح المكتبة مكانا للالتقاء أيضا من اجل دروس اللغة الانجليزية و المحاضرات و النقاشات حول الثورة و الديمقراطية و العروض السينمائية . . إنها حصن حيوي و لكن ليس حصنا منيعا . فحين يشتد الحصار يتم مهاجمة قبو الكتب أخيرا . و يصبح الواى فاى عزيز المنال و تتقلص محادثات مينوى الطويلة إلى رسائل على تطبيق الواتس اب , و لتبدأ في اكتشاف الإحباط و الكآبة لدى الشباب الذين تصل بهم الأمور إلى الحضيض في صيف 2016 . و حينما يصعد نظام الأسد من وتيرة هجومه فإن أحد جامعي الكتب يسقط قتيلا و يلوذ الباقون بالفرار بعد إلقاء طائرات النظام قذائف النابالم على داريا . هذه ليست الحكاية التي تصورها أولئك الرجال . و تتساءل مينوى (( لماذا الكتابة ؟ و إلى اى نهاية )) و تكمل (( لو كان بامكانى أن أتوقع ماذا سيحدث بعد ذلك فإنني أتمنى أن يكون الأمر اقل مأساوية و بعد بعض الأحداث السعيدة (( و ليست كل القصص تنتهي نهاية سعيدة و لكننا نحتاج إلى تلك القصص رغم ذلك )) .
رابط المقال الاصلى
https://www.theguardian.com/books/2021/mar/10/the-book-collectors-of-daraya-by-delphine-minoui-review-a-secret-wartime-library