عن الدهشة والمفارقة في (طوارق)
نشر في 07 أكتوبر 2022 وآخر تعديل بتاريخ 08 أكتوبر 2022 .
* المقال ليس به حرق مباشر لأحداث الرواية.
متى كانت آخر مرة قرأت فيها شيئا مدهشا، شيئا خارقا للطبيعة بصورة آسرة؟ آسرة لدرجة أسرك فعلا بين طيات الكتاب وشخوصه الموسومين بالغموض والسحر؟ هكذا هي رواية (طوارق). قابلتني مصادفة في تغريدة عشوائية على توتير. جذبني غلافها رغم بساطته، رجل أسمر البشرة وملثم يعني أنك ستتورط لا محالة بين تلافيف عالم سري وعجيب، وما أحلى هكذا تورط! عند الصفحة الثالثة عرفت أن هذه الرواية لن تكون عادية أبدا، لن تكون مثل أي كتاب يعجبني بشكل عابر، فأقوم بتنزيله ثم سرعان ما أتركه للنسيان. "الخاطر الأول لا يخطئ" كما يقول ابن عربي.
دهشة طوارق الأولى تكمن في اللغة، فالرواية أصلها فرنسية، وقد تُرجمت من قبل عبدو زغبور، والحق يقال أن الرواية لا تبدو بتاتاً أنها مترجمة، لدرجة أنك ستضيع في لغتها ومصطلحاتها الغير مألوفة وأنت تتساءل في فضول.. هل تبدو النسخة الأصلية بهذا الادهاش أيضاً؟ تحية وتقدير للمترجم العظيم هنا!
الدهشة الثانية تبدو مستهجنة، وهي أساس الحبكة الدرامية. هل أنت مستعد للمخاطرة بحياتك وبكل ما تملك للانتقام من الذين أذوا أحد ضيوفك العابرين؟! هذه إحدى قوانين الطوارق المقدسة، ما دام الضيف في معية طارقي، لا يحق لأي شخص أن يقترب وينال من ذلك الضيف حتى لو كان من أعتى مجرمين العالم، وإذا تعداه شخص ما فهو بذلك يتعدى على شرف الطارقي نفسه، والطارقي هنا ملزم بالاقتصاص من الذي انتهك ضيفه، إنه جنون حقا! لكنه جنون مدهش، يجعلك تسير لاهثا خلف الاموهاج (غزال صيّاح) أي النبيل، لتراه كيف يغامر باستماتة لاسترداد شرفه مخلفا وراءه كل ما يملك - إلى أقصى نقطة في عالم لم يكن يعلم بوجوده - ليقاتل دزينة من الساسة والحكوميين الذين ليس لديهم شرف ولا رحمة.
(غزال) يبدأ رحلته المجنونة بنبوءة مخيفة، وهي الموت في غير أرضه، لكن غزال لا يعرف الموت، فكلما هبطت أنفاسك متأثراً باحتضار غزال وسط أرض الخواء - بوحشتها وقسوتها وجفافها - يدهشك أنه يتصرف، يتحالف مع قوى الصحراء بحييله الغريبة ليعود بعدها أقوى. لكن عندما يصل إلى عالم الساسة، تظهر المفارقة فغزال هنا يبدو كسمكة تحاول الطيران. مع أن غزال ليس أي طارقي، فهو الوحيد الذي اجتاز أرض الخواء مرتين، إنه أسطورة بالنسبة للطوارق، لكن في ذلك العالم يتبلد ذكاءه وحنكته وتخونه عدة مفارقات، يمكنها أن تنبئ له ولك إنه خاسر لا محالة، ولكنه يبقى الاموهاج غزال صيّاح الذي يعرف كيف يلملم شتاته في كل مرة.
مع تداعي الأحداث، وعند منتصف الرواية تحديداً جاءني خاطر عجيب، بأن نهاية هذه الرواية ستكون عبثية، ستكون أشبه بنهاية فيلم The Great Gatsby. حيث ستأخذ وقتا طويلا حتى تستوعب الحدث! وقد أصاب ذلك الخاطر الغريب؛ نهاية مستفزة وعجيبة، نهاية تشعر معها وكأنك لم تخض حرباً مع غزال ضد قسوة الصحراء وضد دهاء الحكوميين، ولم تعاني ولم تعطش معه في أرض الخواء، ولم تتخلى عن أريكتك الوثيرة لتدخل بإرادتك الحرة أرض (تيك دابرا) تلك التي تشبه الجحيم أكثر منها إلى الأرض، وكل ذلك من أجل ماذا؟ من أجل لا شيء، نعم، لا شيء حرفياً غير دوران رأسك من شدة المفارقة والصدمة. ولكن تكفي صحبة غزال وتكفي متعة الرحلة.
-
Walaa Atallahكاتبة ومدونة مصرية.