الجائحة ونفسية العاملين في الرعاية الصحية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الجائحة ونفسية العاملين في الرعاية الصحية

الآثار النفسية لجائحة كورونا على العاملين في مجال الرعاية الصحية

  نشر في 11 أكتوبر 2021 .

بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة و السلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، مصداقا للحديث النبوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ« الشكر موصول لجمعية الأخصائيين النفسانيين والمؤسسة العمومية للصحة الجوارية أولاد فارس بولاية الشلف على الدعوة الكريمة، وشكر خالص للقائمين على المعهد الوطني للتكوين شبه الطبي بالشلف على التنظيم وكرم الضيافة، وتزامنا مع المناسبة السنوية لأحداث زلزال الشلف المصادف للعاشر (10) من شهر أكتوبر وما خلفه من آثار كبيرة على ساكنة المنطقة و الجزائر ككل، نتناول اليوم الآثار النفسية لما خلفه الزلزال الناعم (جائحة كورونا) وما ترك هذا الوباء الفتاك من آثار كبيرة على العباد و البلاد في حد سواء.

ومن دون شك أن جائحة كورونا و الاجراءات التي اتخذت لمجابهتها تركت وما تزال آثار نفسية متنوعة على فئات كثيرة من البشر على غرار الآثار الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و التواصلية، وقد ظهر هذا أكثر عن فئة عمالية كانت في الصف الأول كصد منيع لها الوباء، ألا وهي فئة القائمين على الرعاية الصحية المجتمعية.

حيث سنتناول هذا الموضوع في محاور ثلاثة هي:

1- دراسات ونتائج علمية حول الآثار النفسية لكورونا على العاملين في قطاع الصحة؛

2- الأسباب المتنوعة للآثار النفسية؛

3- الاجراءات العملية والحلول الذاتية الممكنة لتجنب و الحد من هذه الآثار النفسية.

وبهذه المنهجية نريد أن نوصل للمستمع و القارئ الكريم معلومات قيمة وثابتة علميا وطبيا حول الأسباب و الاحصائيات و الحلول:

المحور الأول: دراسات ونتائج علمية حول الآثار النفسية لكورونا على العاملين في قطاع الصحة

في الرابع عشر من إبريل/نيسان الماضي، نُشرت دراسة (1) جديدة بدورية "فرونتيرز إن سايكايتري" تحتمل أن أكثر من ثلث العاملين بنطاق الرعاية الصحية في أثناء جائحة "كوفيد-19" في الصين قد أُصيبوا بالأرق بدرجات متفاوتة، جاء ذلك نتيجة استقصاء أجراه الباحثون من جامعة جوانزو الصينية على عينة مقدارها أكثر من 1500 شخص.

كانت تلك هي الدراسة الأولى منذ بداية الجائحة حول العالم، والتي اهتمت بفحص الاستجابة النفسية لمتخصصي الرعاية الصحية بسبب كورونا المستجد، أشارت الدراسة كذلك إلى أن هؤلاء الذين عانوا من الأرق كانوا أكثر عرضة للشعور بالاكتئاب والقلق والصدمات النفسية الناتجة عن التوتر، ومع استمرار الضغط نفسه تتوقع الدراسة أن الأمر قد يكون مزمنا في مرحلة ما ويتطلب تدخلا طبيا، لكن الأكثر أهمية من ذلك هو أن نتائج مشابهة كانت قد ظهرت (2) أثناء انتشار "سارس" عام 2003، حيث أشار نحو 90% من العاملين بقطاع الرعاية الصحية إلى تأثر سلبي شديد، تضمّن الإرهاق الدائم والخوف من الاتصال الاجتماعي، على مدى عامين بعد الوباء.

كذلك فإن نتائج مماثلة قد خرجت من مناطق متعددة حول العالم، في إيطاليا على سبيل المثال سجّل أكثر من 50% من العاملين بقطاع الرعاية الصحية -في دراسة (3) أخيرة من جامعة روما تور فيرغاتا- عددا من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وفيه يهتز مفهوم الشخص عن ذاته والعالم من حوله وتتشكّل لديه مشاعر سلبية وعاجزة، أكثر من خُمس هؤلاء سجّل أعراضا أكثر تطرُّفا من القلق والاكتئاب، وكانت النساء في الخطوط الأمامية للتعامل مع "كوفيد-19" أكثر تأثرا من الرجال.

ويعتقد الباحثون في نطاق الصحة العامة أن نتائج أكثر قسوة ستلي الموجة الأولى لوباء "كوفيد-19″، وكان اقتراعا ضخما أجرته مؤسسة كايزر الأميركية غير الربحية قد أشار (6) قبل عدة أسابيع إلى أن نصف الناس يعانون بالفعل من درجات متفاوتة من التوتر أدّت بدورها إلى أعراض جسدية مثل الصداع أو الآلام المتفرقة في الجسم خاصة المعدة، إلى جانب درجات متنوعة من الأرق واضطرابات الأكل، تلك هي علامات رئيسية للقلق المرضي، والذي يمكن أن يستمر في بعض الحالات الهشّة

لكن لفهم مدى عمق تأثير الوباء علينا جميعا يمكن أن نلتفت إلى مقال بحثي (8) صدر قبل نحو الشهر في دورية "كارنت بيولوجي" المرموقة يُشير إلى أن الآثار النفسية التابعة لـ "كوفيد-19″، خاصة بسبب إجراءات العزل الاجتماعي، ليست شيئا جانبيا، بل هي نتيجة لتناقض مباشر مع طبيعتنا البشرية

ومع كل هذا قد تهدد جائحة الفيروس المستجد - كوفيد-19 - بتفاقم الإجهاد المرتبط بالعمل لدى بعض العاملين في مجال الرعاية الصحية وتضخيم معاناتهم النفسية، ومما يثير القلق أن الأبحاث حول الآثار النفسية للأوبئة السابقة على العاملين في المجال الطبي أظهرت أن التأثير لا يقتصر على فترة تفشي المرض فحسب، بل يستمر أثرها لفترة طويلة حتى بعد انتهاء الوباء.

المحور الثاني: الأسباب المتنوعة للآثار النفسية

بطبيعة الحال لا يوجد سبب واحد، فهناك أسباب عديدة أبرزها ما يلي:

- الخوف من إصابة العاملين في الرعاية الصحية بوباء كورونا: الحقيقة أن موظفي الرعاية الصحية وجدوا أنفسهم بين معادلة صعبة الاختيار والتمييز، بين حبهم لعملهم وحرصهم على التكفل بالمرضى الوافدين وبين الخوف من إصابتهم بالوباء، والكثير منهم آثروا على أنفسهم وبقوا يقدمون خدماتهم وفق جهدهم واستطاعتهم.

- الخوف من نقلهم للعدوى إلى ذويهم وأهاليهم: ولنا أن نتخيل كيف يقوم طبيب أو ممرض أو إداري أو عامل نظافة أو أي موظف يعمل في المستشفى بالقيام بعمله وسط عدد هائل من المرضى المصابين بالوباء وفي نفس الوقت يأخذ احتياطاته اللازمة حتى لا يكون سببا في نقل العدوى لأبنائه وأسرته، وعشنا حالات وشهدناها في أسرنا، كيف الواحد منا يعمل ليل نهار و لا يرى أولاده وزوجه وأسرته و والديه لأيام عديدة وحتى إن التقى بهم لا يسلم ولا يقترب منهم، حقيقة موقف صعب، لا يمكن الشعور به إلى أثناء معايشته، فهذا يشكل آثار نفسية تبدأ بالخوف وتنتهي بالقلق والانعزال الاجتماعي وهو عكس الطبيعة الاجتماعية "الانسان إجتماعي بطبعه".

- ضغط ذهني والعمل دون انقطاع يؤدي إلى ارهاق جسدي: إلى العمل لفترة طويلة لمدة أكثر من سنة دون انقطاع يولد ضغط ذهني رهيب، بسبب حجم ساعات العمل المؤداة في ظل توافد كبير للمرضى ونقص الامكانيات والمستلزمات الطبية، هذا التضارب بين الطلب و العرض على الخدمات الصحية، يترك العاملين القيام بمجهودات إضافية فوق عادتهم المهنية، مما يولد لديهم ارهاق كبير ينعكس على نفسياتهم، ويؤدي بهم إلى القلق وربما حتى الاكتئاب.

- الشعور بالاستغلال المجتمعي: معلوم ان العاملين في القطاع الصحي هم الفئة العمالية الوحيدة على مستوى العالم التي بقيت تشتغل دون انقطاع بالإضافة إلى قطاعات أخرى وخاصة الأمنية منها، لكن عمال الرعاية الصحية كانوا في الصفوف الأولى لمجابهة الوباء، لكن للأسف الشديد شعروا باستغلال ربما يكون مقصودا او غير متعمد من طرف المجتمع في عدة جوانب هي:

أ‌- الجانب التوعوي: ركز العاملين في قطاع الصحة على الجانب التوعوي و التحسيسي في مجابهة وباء كورونا خاصة في ما تعلق بالتباعد الاجتماعي و استخدام وسائل الوقاية، لكن الغريب في الأمر الكثير من فئات المجتمع لم يراعوا أدنى اهتمام لهذا الطرح مما أدى إلى إصابة الكثير منهم بالوباء، وهذا استغلال ضمني لجهد العاملين كان يفترض تجنبه لو أخذ المجتمع بجدية النصائح والارشادات؛

ب‌- التعرض للتهجم اللفظي والجسدي: لنا أن نتخيل في قمة الوباء يتعرض الأطقم الطبية والتمريضية و حتى الإدارية إلى انتهاكات وهجمات شرسة من طرف بعض المواطنين، هذا من دون شك سبب صدمات كثيرة لهذه الأطقم نتيجة المكافأة العكسية التي حصلوا عليها جراء تكفلهم بالمرضى؛

ت‌- انعدام وقلة التحفيزات المادية وحتى المعنوية: الكثير من الدول لم تراعي هذا الاهتمام ولم تقدر حقيقة حجم التضحيات التي قام بها العاملين في قطاع الصحة. هذا الفعل المعاكس أثر بشكل كبير على نفسية العاملين ونتج عنه خروج العديد منهم من وظائفهم.

- انتشار رهيب للمعلومات السلبية والمغلوطة: شهدة جائحة كورونا جائحة موازية كان لها تأثير أكبر من جائحة كورونا، وهي المعلومات السلبية و المغلوطة التي كانت في مختلف وسائل الإعلام، سواء المتعلقة بنوعية المرض و خصائصه وكذا بروتوكولات العلاج الموصوفة من غير المتخصصين والتي تسببت في الكثير من الأحيان إلى وفاة العديد من الناس على مستوى العالم، بالإضافة إلى عدم نشر الأرقام الحقيقية للوباء في بعض الجهات والدول، مما تسبب في بعض الأحيان بالتراخي في التحلي بالإجراءات الوقائية وفي البعض الآخر المزايدة في استعمال المعقمات التي كان لها آثار عكسية على الصحة المجتمعية، هذا الأمر ترك عمال الصحة يجتهدون أكثر أولا في تقديمهم للعلاجات وثانيا في مواجهة هذه الجائحة المعلوماتية.

4- المحور الثاني: الاجراءات العملية والحلول الذاتية الممكنة لتجنب والحد من هذه الآثار النفسية

من دون ريب لا يوجد داء إلا و له دواء، فعلاج هذه الآثار النفسية لها حلول عملية وذات استعمال ذاتي وجماعي، فمعلوم أن من ضمن فرق الرعاية الصحية يوجد أخصائيين نفسانيين في كل المستشفيات، وعليه فتفعيل هذه المكاتب عن طريق برامج منظمة تمس جميع العاملين للمرافقة النفسية المتكررة، تؤدي إلى تشخيص الحالات النفسية وتصنيفها ثم المرافقة النفسية لهم، ويمكن في هذا الإطار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي و الانترنت للقيام بهذه الحصص النفسية و التي ثبتت نجاعتها في جائحة كورونا.

ثبت قديما وحديثا أن علاج الحالات النفسية كالاكتئاب والقلق والضغط النفسي تعالج بالتأمل وتمكين الجانب الروحاني، ولنا في ديننا الحنيف "الدين الاسلامي" علاجات قوية للآثار النفسية، فحركات الصلاة تجعل المصلي يصنع تصورية إيمانية روحانية لا إرادية، لأن وقوفه في مكان واحد واستقرار جسده وصفاء ذهنه واطمئنان قلبه وتركيز نظره في موضع واحد يشكل أعلى مراتب التأمل ألا وهو الخشوع، فالعلم الحديث يرى أن بيولوجيا الإيمان و التأمل هو العلاج الحاسم لأمراض العصر من اكتئاب و قلق وإحباط، فماذا عن اطمئنان القلب كليا ونفسيا وذهنيا، قال تعالى «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّه أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» الآية 28 من سورة الرعد، فسبحان الله وجدت هذه الآية في سورة الرعد وما يخلفه من خوف وهلع في النفوس، فيذكرنا الله بذكره حتى تطمئن قلوبنا، وهذا ما يؤكده كذلك قوله صلى الله عليه وسلم «أرحنا بها يا بلال» يا الله كم هو تعبير بليغ – أرحنا بها – ولم يقل "أقم الصلاة" بل قال "أرحنا بها" و كأن النفسية تعبانة فتحتاج إلى راحة، ولا راحة إلا بذكر الله والصلاة.

هذا ما تيسر إعداده، وتهيئ جمعه وايراده، ووفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه.



  • hadjou youcef
    يحضر دكتوراه في التسويق، مدرب تنمية ذاتية وتطوير إداري، مهتم بالعمل التطوعي المؤسسي
   نشر في 11 أكتوبر 2021 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا