جمعيات ووداديات الأحياء : ركيزة أساسية لتنظيم المجتمع والمشاركة في الشأن العام: - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

جمعيات ووداديات الأحياء : ركيزة أساسية لتنظيم المجتمع والمشاركة في الشأن العام:

فكر في التغيير عالميا واعمل لأجله محليا

  نشر في 23 غشت 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

تقوم منظمات المجتمع المدني على اختلاف أنواعها بأدوار كبيرة في تنظيم المجتمع وتنميته والترافع حول قضاياه وتعزيز المشاركة في الشأن العام والتأثير في مسلسل صناعة القرار العمومي، وقد عزز الدستور المغربي المعدل سنة 2011 من أدوار منظمات المجتمع المدني حيث نصت عدة فصول منه على مقتضيات جديدة تهم هذا المجال فبعد أن نص الفصل 12 على أن جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية تُؤسس وتمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون...أكد على "أن الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، تُساهم في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون" كما أكد الفصل 13 على أن السلطات العمومية تعمل على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها...فيما نص الفصلان 13 و14 على الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع وتقديم العرئض للسلطات العمومية والهيئات المنتخبة، ونص الفصل 33 على أن السلطات العمومية تتخذ التدابير الملائمة لتحقيق توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد؛ و مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، ...و يُحدث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي، من أجل تحقيق هذه الأهداف.. وضمن فصول الباب التاسع من الدستور المتعلق بالجهات والجماعات الترابية الأخرى نص الفصل 139 على أن مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى تضع آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها...كل هذه المقتضيات الدستورية قد ارتقت بعمل الجمعيات من المستويات التقليدية المتعلقة بالتأطير والتثقيف والتضامن والتنشيط الثقافي والاجتماعي والتربوي... إلى أدوار جسيمة تتعلق بالتدريب على المشاركة في الشأن العام والترافع وتقديم الاستشارة والمشاركة في التشاور العمومي والمساهمة في إعداد السياسات العمومية وتتبعها ومراقبة وتقييم تنفيذها...

وإذا كان الحي أو الدوار أو الحومة أو الإقامة من الناحية المادية الظاهرة تجمعا عمرانيا يضم ساكنة معينة مشكلا بذلك النموذج المصغر للمدينة أو القرية التي ينتمي إليها، فانه في العمق عبارة عن مجال حيوي يشهد تفاعلات اجتماعية وثقافية واقتصادية وحتى سياسية مستمرة في الزمان كما أنه فضاء للتعايش والإحساس بالانتماء والمواطنة وهو بذلك فضاء مناسب لاستنبات حركية المجتمع وتطويرها وقياس تأثير السياسات العمومية على السكان وملاحظة مدى تفاعلهم معها ومشاركتهم في التأثير فيها أيضا. وقد شهد المغرب منذ سنوات ، ضمن الحركية العامة التي عرفتها منظمات المجتمع المدني، بروز جمعيات ووداديات الأحياء باعتبارها تنظيمات مدنية تركز معظم نشاطها على شؤون المجال الترابي للحي الذي تحمل اسمه بل ظهرت في عدد كثير من المدن فدراليات وشبكات جمعوية متخصصة في هذا المجال تحت مسميات مثل شبكة جمعيات الأحياء بالمدينة الفلانية. فماهي أهم أدوار ومناشط هذا النوع من الجمعيات؟ وما مهام ومواصفات نشطاء الأحياء/ قيادات هذه الجمعيات؟ وما بعض آليات العمل التي يمكن اقتراحها لهؤلاء؟

أدوار جمعيات الأحياء: يمكن إبراز أهم الأدوار المفروض أن تمارسها جمعيات الأحياء في:

-التنظيم والتأطير: وهذه مهمة تشترك فيها مع باقي منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والنقابات، فجمعيات الأحياء تساهم في تنظيم قاعدة سكانية كبيرة عن قرب مما يسهم في تأطيرهم للاهتمام بقضايا حيهم ومتابعة واقتراحا كما يمكن أن تقوم بدور الممثل عن سكان الحي أمام السلطات والمؤسسات العمومية والمنتخبة...

- المشاركة: تتيح هذه الجمعيات مجالا للسكان للتعبير عن نظرتهم و تصورهم لقضايا الحي، و متابعة هذه القضايا و طرحها على الجهات المعنية و المساهمة في إيجاد الحلول لها، والمساهمة في تنفيذها وبالتالي تنقل سكان الحي من موقع الانتظارية إلى موقع التحرك والفعل كما هو الحال أثناء تنظيم حملات النظافة والتشجير بالحي أو تنظيم أوقات إخراج القمامة ...كما أن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية قد فتحت المجال للجمعيات للمشاركة في لقاءات إعداد برنامج عمل الجماعة وهذه مناسبة هامة يمكن أن يشارك فيها سكان الحي من خلال الجمعية في وضع تصور الحي الذي يريدونه والتأثير في التدبير المحلي...مما يجعلها ترفع من مستوى الوعي بقضايا المجتمع ذلك أنه من الحي إلى مجموع الأحياء يتأسس مستوى آخر من الوعي بقضايا المدينة ثم منها إلى نطاق أوسع يمتد إلى كامل الوطن. و هنا تكمن الأهمية القصوى لهذه الجمعيات من باب أنها ترقى بالمواطن العادي إلى مستوى الاهتمام بقضايا وطنه و المساهمة في حلها مساهمة واعية و منظمة .

- التضامن : فالمجال متاح أمام جمعية الحي لتصبح مدرسة لخلق جو من التضامن و المساندة بين الساكنة القاطنة بالحي انطلاقا من إحياء روابط حسن الجوار والتعاون في المناسبات الاجتماعية والأعياد وتأطيرها ومواساة ذوي الأحزان ومساندة المريض والمعوز والأرملة واليتيم والإرشاد الأسري والتدخل لحل النزاعات داخل الحي... إلى غير ذلك من الأنشطة الاجتماعية التي تستهدف ساكنة الحي.

- التثقيف والتوعية: عبر الأنشطة الثقافية والتحسيسية الموجهة لمختلف فئات الحي مثل أنشطة توجيه وحماية المستهلك ومحو الأمية والدعم الدراسي وتعليم اللغات ودروس الوعظ والإرشاد الديني والتوعية البيئية ...

- الترافع : فالهدف الرئيسي لهذه الجمعيات هو الدفاع عن المصالح العامة لسكان الحيّ كونهم المستفيدون من النشاطات العمرانية والثقافية والرياضية والتربوية والصحية والاجتماعية والسكنية والاقتصادية والاستهلاك المستهدفة للحي .. . وهذا دور محوري حيث تعد محاميا عن الحي أمام السلطات المحلية والهيئات المنتخبة عبر جرد مشاكل وقضايا الحي ومراقبة وضعية الخدمات والبنيات والتجهيزات والمرافق العمومية به ومراسلة الجهات المعنية بالتدخل بالإضافة إلى إعداد العرائض والشكايات والمراسلات وتعبئة سكان الحي للضغط على المسؤولين وعلى مدبري الشأن المحلي، وحتى تكون ممارسة هذا الدور سليمة يجب على قيادات هذه الجمعيات التحلي بالموضوعية في طرح القضايا وحسن التواصل مع المعنيين والابتعاد عن منطق المواجهة والإحراج السياسي ...

وهناك أدوار أخرى لا يتسع المجال لذكرها كالتعبئة الاجتماعية وتشكيل الرأي العام المحلي أو التأثير فيه والوساطة بين السكان والهيئات الرسمية....

شروط ومبادى يجب على نشطاء الأحياء (منظمو المجتمع المحلي) مراعاتها:

أطلقنا اسم منظمي المجتمع المحلي أو نشطاء الأحياء على أعضاء المكاتب المسيرة لجمعيات الأحياء، فهم بمثابة قيادات التغيير الاجتماعي على مستوى الحي يحملون على عاتقهم مهام إلهام سكان الحي لفكرة التنظيم الجمعوي وتحفيزهم للانخراط فيه والعمل في إطاره والتفاعل مع أنشطته وتشجيعهم على الاهتمام بشؤون الحي باستمرار إضافة إلى تقديم وتوفير المعلومات اللازمة والتنظيم والتنسيق والتنشيط والوساطة وتدريب المتطوعين والعمل على تحقيق أقصى ما يمكن من درجات المشاركة المجتمعية على مستوى الحي... ولإنجاح مهمة هؤلاء لابد أن تتأسس جمعية الحي وتشتغل وفق مجموعة من المبادئ منها:

- الاستقلالية: بمعنى استقلالية جمعية الحي عن كل الإطارات الأخرى واستقلاليتها عن الهيئات التي ينتمي إليها الافراد الذين وكل إليهم تسييرها، وهذا لا يعني اشتراط عدم الانتماء السياسي والنقابي والجمعوي لمن أراد تقلد مهام التسيير في جمعية الحي... بل احترام شخصية الجمعية وعدم اعتبارها قناة لتنفيذ قرارات واهتمامات الهيئات الأخرى بما فيها السلطات.

- الديمقراطية: إذ يجب أن تكون فضاء لممارسة الديمقراطية وتجسيدها والنضال من اجلها، فلا يمكن أن تنجح الديمقراطية في الدولة ومؤسساتها إلا إذا نجحت في المجتمع ومؤسساته، فمن غير المقبول أن تشكل جمعيات الأحياء مجالا لتكرار مظاهر الكولسة والتأسيس في الخفاء والانتقاء والإقصاء والتدبير الفردي الانفرادي حيث يصبح مجموعة من سكان الحي قطيعا يسوقه شخص معين ويجعل الجمعية وسيلة لقضاء مآربه وابتزاز المنتخبين وممارسة السمسرة في الأصوات عند كل استحقاق انتخابي بل يجب أن يتم تأسيسها وتجديد مكاتبها بطريقة ديمقراطية تفسح المجال للتنافس بناء على برامج عمل وبمشاركة واسعة من سكان الحي هذا مع الاستمرار في نفس النهج أثناء عملها عبر إحداث آليات تترجم فكرا ديمقراطيا تشاركيا.

- العمل الجماعي : ذلك أن تدبيرها يتطلب عمل الفريق انطلاقا من المكتب المسير إلى اللجان والأندية التي ستشكلها وذلك لضمان الاستمرارية في الفعل وتوريث الاهتمام للأجيال اللاحقة والتعبئة الاجتماعية والمشاركة الواسعة واستدامة الجمعية باعتبارها مؤسسة اجتماعية، فالاتكال على شخص أوشخصين وتركهما وحدهما لن ينتج حركية في الحي.

- العمل بقواعد التدبير الحديث القائم على تشخيص حاجيات ومشاكل وأوضاع الحي ثم وضع تخطيط للمشاريع والبرامج فتنفيذها وتتبعها وتقويمها ، مع القدرة على الانفتاح على مختلف الهيئات الرسمية والمنتخبة والمدنية وبناء الشراكات.

الآليات التنظيمية لتفعيل أدوار وعمل جمعيات الأحياء:

بالإضافة الى الوسائل التنظيمية العادية المستعملة في كل الجمعيات من جموع عامة واجتماعات ولقاءات دورية وتشكيل للجان والأندية ، فالمطلوب من جمعيات الأحياء بحكم تخصصها أن تطور من آلياتها التنظيمية بما يمكن من رفع مستوى المشاركة وتقوية موقعها الترافعي وتعزيز قوتها الاقتراحية ومن ذلك:

- مجالس الأحياء وهي آلية هامة لحشد سكان الحي للاهتمام بشؤونهم المحلية والمشاركة في اقتراح القرارات والسياسات والإجراءات اللازمة وإنتاج الأفكار والرؤى المتعلقة بالشأن العام المحلي في أصغر دوائره وهي الحي.

- الاجتماعات مع الفعاليات والأعيان والوجهاء بالحي والمنظمات المدنية الأخرى.

- اللقاءات التواصلية بين سكان الحي والسلطات المحلية والمنتخبين.

- تنظيم ورشات العمل والمجموعات البؤرية والحلقات الدراسية والمقابلات والاستمارات والنقاشات الموسعة ولقاءات إنتاج الأفكار.

- استثمار مواقع التواصل الاجتماعي لرفع مستوى الاهتمام بشؤون الحي.

- العمل على جرد لوائح الأطر والمهنيين والفئات الاجتماعية وجرد كل المرافق والمؤسسات المتواجدة بالحي قصد استثمارها...

- اللقاءات الثنائية والاجتماعات المنزلية ولقاءات الطوارئ التي يجب أن يكون المنظمون/ مسيرو جمعية الحي بارعين في تنظيمها واستثمارها.

- تشبيك جمعيات الأحياء/ الدواوير على مستوى المدن والقرى......

وفي هذا الإطار يمكن استثمار التجربة التنظيمية المتراكمة في إطار ما يعرف بتدبير الملكية المشتركة المتعلقة بالعمارات والقامات السكنية بعدد من مدن المملكة .

وعموما فإن الانشغال الرئيسي لجمعية الحي هو العمل على أن يتجاوز الحي السكني دور المرقد الذي يأوي إليه الناس بعد قضاء اليوم في العمل بل يجب أن يترجم معاني الحياة التي اشتق منها اسمه عبر استمرار الحركية الاجتماعية والثقافية لسكانه.وبذلك ستساهم بفعالية في صناعة المواطن الواعي الإيجابي والمبادر المنخرط في شؤون مجتمعه و الخروج به من الجمود و السلبية والانتظارية.

------------------------------------------------------

ملاحظة: كتبت هذا المقال في إطار المهمة الختامية بالمساق التكويني الأول حول مفهوم ومبادئ تنظيم المجتمع من خلال المشاركة، من تنظيم وتأطير معهد الفضاء المدني.


  • 1

  • رشيد بازي
    أشتغل استاذا للتعليم الاعدادي (المتوسط) أدرس مادة الاجتماعيات والى جانب ذلك انا فاعل في منظمات المجتمع المدني.
   نشر في 23 غشت 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا