في بعض المجتمعات يتهيأ البعض لإحياء ما يسمى بيوم الأم في الحادي والعشرين من شهر مارس، احتفالاً وتقديراً للأم على جهودها، وتقديم بعض الهدايا المادية والرمزية لهن. مع غروب شمس هذا اليوم تعود معاملة الأمهات إلى سابق عهدها، حيث العقوق، والإهمال، والانشغال عنهن. أما في ديننا وثقافتنا الإسلامية فإن حسن التعامل مع الأم وبرها لا يرتبط بأيام محددة، ولا مناسبات مخصصة، إنما هو البر الأبدي، ـ في حياتها ومماتها ـ. في هذا المقام أذكر طائفة يسيرة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بر الأم.

الأول: "أتى رجلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: إني أشتهي الجهادَ ولا أقدرُ عليه، فقال: هل بقيَ من والديك أحدٌ؟ قال: أمي. قال: فأبلِ اللهَ في برِّها فإذا فعلتَ ذلك فأنت حاجٌّ ومعتمرٌ ومجاهدٌ. (الدمياطي، المتجر الرابح، 249. حسن).

في هذا الحديث قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بر الأم على الجهاد في سبيل الله، لاسيما إن كانت الأم مقعدة، أو مسنة، أو مريضة، أو لا تستطيع قضاء حوائجها بنفسها. أو كان الابن وحيدها.

إن من أحسن معاملة أمه وأبرها فقد بلغ في الأجر أجر ثلاثة عباد بعبادات متفاوتة هي: (الحج، والعمر، والجهاد في سبيل الله).

الثاني: "أيُّ العمَلِ أحبُّ إلى اللَّهِ تَعالى؟ الصَّلاةُ علَى وقتِها، وبرُّ الوالدينِ، والجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ". (الألباني، صحيح النسائي، 609. صحيح).

بيّن الحديث أن بر الوالدين يتوسط ركن الإسلام وعموده (الصلاة) من جهة، وذروة سنام الإسلام (الجهاد في سبيل الله) من جهة أخرى. هذا إن دل على شيء، إنما يدل على عظم بر الوالدين، وجزيل الثواب لمن أبرهما، وشدة العقوبة للعاقين.

الثالث: "لا يَجْزِي ولدٌ والدًا إلا أَنْ يَجِدَه مملوكًا فيشتريَه فيعتقَه". (صحيح مسلم، 1510)

يبين الحديث أهمية بر الوالدين، وأنه مهما فعل الابن؛ ليصل إلى درجة البر والوفاء للوالدين فلن يصل.

في نظام العبودية والرق تكون العبودية متوارثة. فابن العبد عبد، أنى للعبد أن يولد حراً أو يشتري حريته.

كم كان يستهلك العبد من السنوات والجهد حتى يصل إلى حد المكاتبة ويعتق نفسه!

الرابع: "رِضَى الرَّبِّ في رِضَى الوَالِدِ، وسَخَطُ الرَّبِّ في سَخَطِ الوَالِدِ". (الألباني، السلسلة الصحيحة، 516. حسن)

يعكس الحديث مدى أهمية ومكانة الوالدين. يوضحها قوله تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء:23]

الخامس: قالت أسماء بنت أبي بكر قدمتْ عليَّ أمي، وهي مشركةٌ ـ في عهدِ قريشٍ إذ عاهدهم ـ، فاستفتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ قدمتْ عليَّ أمي وهي راغبةٌ. أفأَصِلُ أمي؟ قال: "نعم . صِلِي أمكِ". (صحيح مسلم، 1003)

قد يكون أحد الوالدين ليست ملتزماً دينياً، أو مقصراً في أمر من أمور العبادة. فهذا لا يعطي الابن مبرراً كي يعقهم ويجافيهم. فهو ملزم ببرهم والإحسان إليهم، والتلطف معهم.

السادس: جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: مَن أَحَقُّ الناسِ بحُسنِ صحابتي؟ قال: "أمُّك". قال: ثم من ؟ قال " ثم أمُّكَ " قال : ثم من ؟ قال " ثم أمُّكَ " قال : ثم من ؟ قال " ثم أبوك". صحيح مسلم، 2548).

الحديث بيّن عظم مكانة الأم وأهميتها كونه يقع على عاتقها العبء الأكبر في التربية، وإدارة شؤون البيت. في المقابل لا يعني ذلك التقليل من شأن ومكانة الأب. فلولا جهود الأب ومآزرته لزوجته وإشباع حاجاتها فإنها لن تنجح أو توفق في أي من مهامها.

من وجهة نظري تدين الأم في البيت أهم بكثير من تدين والتزام الأب. خذ مثالاً بسيطاً. كثيرة هي الدروس الدينية، والمواعظ، والخطب التي يحضرها، أو يسمعها، أو يشاهدها الرجل في المساجد وغيرها. لكن قليل من الرجال الذين يشاركون معلوماتهم الدينية وينقلونها لأفراد الأسرة. لكن في المقابل لو علمت المرأة معلومة دينية فإنها تحرص على تعليمها وإيصالها للزوج والأبناء. فتدين والتزام الأم فيه حماية وصيانة للبيت من التفكك والانحلال.