لا عنوان يصفني (الجزء الرابع) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

لا عنوان يصفني (الجزء الرابع)

  نشر في 02 يناير 2019 .

 "لست انا"

هكذا صرخت "ماي"في القطار فجرا.

الساعة تشير إلى السادسة من فصل شتوي في أخر أسبوع من ديسمبر .العربة الأخيرة تمتلئ بأشخاص نائمين أفزعهم الصراخ الآتي من حنجرة مرتجفة.

إعتذرت منهم ماي بصوت يكاد لا يشبه الذي صرخت به  صوتها تلاشى وهو يعبر المسافرين إلى النهاية ثم عاد في شكل نظرات غاضبة وشتائم مكتومة.حبست أنفاسها تبتلع ريقها مع مرارة فعلتها وتحت وقع توبيخ أخيها حتى إستغرق في النوم من جديد وتهاوى رأسه على كتفها الهش. بعد نصف ساعة  من النظر مباشرة إلى الأمام دون  تحرك وثقل جسد أخيها يظغط على جسدها  تخدرت أقدام ماي ويدها اليسرى كما شعرت  بألم في رقبتها وأرادت أن تبعد أخاها وتتحرك قليلا وتنظر مرة أخرى إلى النافذة حتى تستوعب حجم المأساة الواجمة في مقابلها .كبحت تلك الرغبة قليلا بعد لكن الألم إزداد وشعورها بأن وجها أخر بخلاف وجه أخيها ينظر إليها زادها رعبا.كان يجب أن تفعل شيئا. ضغطت بيدها على مقبض الكرسي دافعة جسد أخيها عنها ثم أدارت  رأسها من جديد،كان الوجه لا يزال هناك  يشبه الموتى في انعكاسه على شباك القطار لكنها كانت متأكدة أنه حي وينظر،ينظر إليها.

بسبب كونها مزالت مظلمة بالخارج والقطار يسير في طريق ممتدة من الأشجار وبمساعدة الأضواء التائهة في وسط العربة،كان هناك إنعكاس لشيء ما او شخص ما  على نافذة العربة.لكنه لم يكن أبدا يشبه الانعكسات المسلية والجميلة مثل انعكاسات وجوه الدمى المزينة في محلات اللعب .هذا الإنعكاس بدى منفرا وقبيحا لِماي  حيث بدى أن كل شيء لا يتناسب مع المكان والزمان أين كانت.

في الساعة السادسة من فجر شتوي في العربة الأخيرة من القطار المتجه إلى تونس جلس  خيال عجوز شبه مفزع مقابلا لوجه ماي.إنعكاس لوجه متعب ،أرض  جافة غزاها البهتان،نصف برتقالة  مفتوحة ومجرحة سال مائها تغلف شفتيها،أنف كبير ذو فتحتين كبيرتين،أكبر ربما  من الخنادق التي تمر فيها القطارات حسب ما رأت ماي .أرادت أن تهرب من هناك قبل أن تتوه في إحدى الخطوط والتجاعيد أو أن تسقط داخل الفم فتطبق على  جسدها إحدى الأسنان المعوجة أو المكسرة أو تختنق برائحة الفم التي بدت كريهة. وفي خضم كل ذلك الهروب اللافت إبتلعها نحو الداخل ثقبان أسودان،شديدا العمق والفراغ وسقطت حيث كان بإمكانها مشاهدة ذلك الإنعكاس  مرة أخرىألف مرة أكبر ومن كل زاوية نظرت إليها بدت هي أصغر داخل هذا العمق  وكأنها تشاهد نفسها من داخلها،هي المشهد والمشاهد ،الانعكاس والحقيقة والوهم والعجوز التي تشاهدها.

شعرت ماي أنها داخلها، لم يعد بمقدورها الصراخ أو إنكار الأمر أكثر من ذلك..وحين أرادت أن تخرج من هناك قبل أن يبتلعها خيال المرأة على شباك القطار، ظهر فجأة ضوء ساطع واندلعت نار  بلون البرتقال  مذيبة الانعكاس من شباك القطار مشوهة الخيال الذي انطبع على النافذة  تاركا ماي عالقة في الداخل.

 الساعة السابعة وعشرون دقيقة،لطمت شمس الفجر وجه ماي وطبختها على نار هادئة حتى إستوى  الوجهان وصارا وجها لعملة واحدة.

يتبع...



   نشر في 02 يناير 2019 .

التعليقات

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا