المهاتما غاندي...ضرب من ضروب العظمة الإنسانية
سطور في حياة المهاتما غاندي
نشر في 28 مارس 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
عائلته
هو "موهانداس كرمشاند غاندي"، الزعيم الروحي للهند، والمناضل الكبير ضد الظلام الاجتماعي، ولد في 2 أكتوبر/تشرين الأول من العام 1869م.
جدّه "أوتاغاندي" كان رئيساً للوزراء في منطقة "بور بندر"، وقد كان رجلاً حافظاً للعهد و الود وذو سمعة طيبة. وأباه شغل منصب وزير و يُدعى "كرمشاند غاندي"، وأمُّه "بوتلباي" هي الزوجة الثالثة لأباه بعد أن فقد الزوجتين السابقتين، و رُزق من "بوتلباي" بنت واحدة و ثلاثة أبناء كان أصغرهم "موهانداس".
خَطَبَ غاندي وهو في سن الثامنة من "كسترباي"، و تزوجها وهو في الثالثة عشرة من عمره وفقاً للعادات و التقاليد، وفي سن العشرين كان قد رُزِقَ بأربعة أطفال،وقد قال غاندي في سيرة حياته بأنه كان يمتعض أشد الإمتعاض من هذه العادة، وقد وصفها بأن لا خير فيها إطلاقاً.
المهاتما غاندي
محاولة الانتحار
لقد أخذ غاندي أيمانه بالصوم من والدته"بوتلباي"، فقد كانت تكتفي بوجبة طعام واحدة في اليوم وتصوم معظم الأيام، ويقول غاندي عن الصوم: (لو استطعت أن أستغني عن عينيّ، استطعت كذلك أن أستغني عن صيامي، فما تفعله العينان للدنيا الخارجية يفعله الصوم للدنيا الباطنية). يُذكر بأن غاندي كان طفلاً فج الذاكرة، فلم يستطع حفظ جدول الضرب إلّا بعد جهد جهيد، ولم يكن من التلاميذ الاوائل، ولكنه كان يتابع دروسه و واجباته بانتظام. وقد فكّر غاندي هو وزميله في المدرسة بالإنتحار، بعد أن أكل اللحم مرة واحدة، وقام بالسرقة مرّتين، ففي الأولى سرق من خادمه، وفي الثانية رأى دائناً يلحُّ على قريبه في طلب دين عليه، فاختلس من يد ذلك القريب قطعة ذهبية ليؤدي عن دينه الذي يمطل به غريمه. وبعد أن عزم هو وصديقه على النتحار بعد كل تلك الأفاعيل، اشتريا السم وأكلا منه ولكن دون المقدار الذي يُميتهما.
سافر غاندي إلى بريطانيا في سنة 1888م، لدراسة القانون، رغم أنه كان يهوى الطب، ولكن أخاه ذكّره بأن أباه كان يكره تشريح الجثث، فأخذ غاندي بنصيحة أخيه و سافر إلى بريطانيا لدراسة القانون مخالفاً بذلك قرار كبار طائفته الذين منعوه من السفر إلى تلك البلاد لما فيها من المحرمات، من خمور و لحوم و ما إلى ذلك.
الحزن و الانكسار
عاد غاندي إلى الهند قادماً من بريطانيا و معه إجازة في القانون، ولكنه قوبِلَ بالإقصاء من قِبل كبار طائفته، لانه سافر بالرغم عنهم، فحزن غاندي، و قد ازداد حزنه عندما فشل في الدفاع عن أخيه في إحدى القضايا، والتي كانت تلك القضية الأولى له،فانكسر غاندي و قرر السفر إلى جنوب أفريقيا للعمل هناك. وقد كانت سفرته تلك، هي نقطة التحول من موهانداس كرمشاند غاندي إلى المهاتما غاندي.
فعندما سافر إلى جنوب أفريقيا، وجد أبناء وطنه يعانون من التمييز و يعملون عبيداً عند الإنجليز الذين كانوا يحتلون بلده الأصلي الهند و جنوب أفريقيا أيضاً،فقد حصل وأن طُرد من القطار عندما كان جالس في الدرجة الأولى من القطار، فاشتكى أصحاب البشرة البيضاء لموظف القطار، فطلب الموظف من غاندي الانتقال إلى الدرجة الثالثة و الجلوس مع أصحاب البشرة السمراء مثله، فرفض غاندي و تعالت الأصوات وقاموا بطرده خارج القطار.
في سن 36 سنة و بينما كان هو ما زال في جنوب أفريقيا يدافع عن أبناء وطنه، قرر هو وزوجته أن ينذرا النسك و التبتل وهو نذر يسميه الهنود "برهمياشاريا"، أي الإعراض عن الجسد و السلوك إلى الله. ذاع صيت غاندي ووصل إلى بلده الهند، فقد ابتعد عن كل عمل فيه ربح مالي، مقتصراً على المال الذي يُعين المعوزين من المظلومين، فسكن حيث كانوا يسكنون، وأكل ما كانوا يأكلون، و نزل بالسجن عدد مرات ما ينزلون، وقد بلغ من التواضع منزلةً، ان أصبح ينسج ثيابه بنفسه. وقد أوصاهم بأن من يُكره على عمله أن يترك ذاك العمل، فكان يجمع من المال ما استطاع لتموين على العمال المضربين، وقد جعلهم يتحدون أوامر الحظر أيضاً، فنزلوا بالآلاف إلى تلك الأماكن المحظورة.
العودة إلى الهند
عاد غاندي إلى الهند في سنة 1915م بعد أن قضى 22 سنة في جنوب أفريقيا، ليكون زعيم الهند الروحي بِلا منازع. ليقود بلاده وفق مبادئ دعوة "اللاهمسا" أي لا للخوف لا للكراهية و نعم للشجاعة و المحبة، ووفق عقيدته "الجينية" التي تعرف عليها من أمه التي كانت تنتمي أيضاً للطائفة "الجينية"، ومن الأمثلة المقتبسة من كتب العقيدة الجينية التي يؤمن بها غاندي وقاد بها الهند:
(أجهد نفسك واحكُمها) (أقسم على خمس: لا تسرق، لا تستسلم للشهوة، لا تتعلّق بعروض الحياة) (وسائل ثلاث لا تسيء بها إلى أحد: كلمات،أفكار،وأعمال)
فكانت سياسة اللاعنف"المقاومة السلمية"، محور زعامة غاندي للهند، فكانت أهم مبادئه التي تقوم عليها سياسته: الصيام و المقاطعة الإعتصام والعصيان المدني القبول بالسجن عدم الخوف من الموت إذا كان هذا مصيره في نهاية الأمر
*يشترط المهاتما غاندي" الروح العظيم" أن تنجح سياسته، إذا تمتع الخصم بشيء من الضمير و الحرية، ليتمكن من فتح باب الحوار مع الطرف الآخر.
مسيرة الملح 1930م
حرّمت بريطانيا على الهند استخراج الملح، لإجبارهم على شراء الملح البريطاني، فقام المهاتما غاندي سنة 1930م بمسيرة الملح للإحتجاج و إلغاء قانون الملح الذي كان لصالح التجار الإنكليز. وقام الهنود أيضاً باستخراج الملح من البحر، عملاً بنصيحة غاندي و لمقاطعة الملح الإنكليزي.
لقد كان غاندي إنسانيّاً لأبعد الحدود، فقد قال: إنه يحارب الإستعمار ولا يكره المستعمرين، وكان يرى لهم عليه حقوق الإنسانية كما يراها لأبناء بلده و للمظلومين. وفي السياق نفسه، أنشأ مشفى في جوهانسبرج لعلاج مرضى الطاعون المتفشي آنذاك، حتى أساء أبناء وطنه الظن فيه، فضربوه في عام 1907م ضرباً شديداً وما تركوه حتى ظنّوا أنه مات.
لقد قرأ غاندي القرآن و الإنجيل بترجماتها الإنكليزية، وقرأ كتب الديانة المجوسية و الصينية بترجماتها الإنكليزية كذلك. وعن موضوع عدم أكل اللحم رغم فائدته الجسدية قال: ( إن القوة الإنسانية لا تأتي من قوة العضلات بل من قوة الإرادة، و إن غلبة الروح على البنية، أليق بالإنسانية من غلبة البنية على الروح ).
مقتله
لقد عاش المهاتما غاندي"الروح العظيم" حياته قائداً للحملات التي تحد من زيادة نسبة الفقر، كما عَمِلَ على زيادة حقوق المرأة، و الاعتماد الذاتي الاقتصادي، وبناء وطن المسامحة و الوئام الديني. وقد وصلت به الدعوات التي قام بها و التي دعى بها الأغلبية الهندوسية إلى احترام الأقلية المسلمة إلى الموت بثلاث رصاصات أطلقها عليه هندوسي متعصّب في الثلاثينيات من عمره لم يتحمّل تلك الدعوات، فقُتِلَ المهاتما غاندي في 30 يناير/كانون الثاني عن عمر يناهز 78 بعد أن شكّل ضرباً من ضروب العظمة الإنسانية.
-
غزوان فرحان نواياشاعر || مؤلف || كاتب || قارئ || أخصائي صحة نفسية والعلاج النفسي