فجرٌ يُقبل ، وليلٌ يُدبر ، ونحن هنا واقفون !
أيامٌ تمضي ، وأعوامٌ تفوت ، ونحن هنا ثابتون !
أما آن للغافل أن يستفيق ، وللشارد أن يهتدي ، وللضائع ان يجد نفسه بين ذويه وخلانه ؟!
أما آن لنا أن نفجر ينابيع الخير والعزة ؟
أما آن لشاردي الأفكار أن يبدعوا ويحتهدوا ؟!
هذه سؤالات تحيط بنفسي الكلمى ، فقدت هويتها ، وسُلبت أصلُ عزتها ، وضاعت بين الأمم ؛ ولا تجد من نفسها إلا ما أراد لها عدوها ، و وجدت بين أمواجها المتلاطمات ، وما صور لها شعراؤها في بنات الخيالات ، حتى أصبحت تخشى الفاقة والمجاعات ، والفقد والإعانات من دول شرقية وأخرى غربيات.
فقد تمسكها بكتاب رب البريات ، وبحديث صاحبِ خاتمِ الرسالات ، وكذا كلام المجتهدين والمجتهدات من أصحاب العلم والدين والكرامات ، فأصبحت تجري بين مقلد أعمى ، ولَسِنٍ فصيح ، وضال عن طريق سيد الأولين والآخرين.
ففي عرف العقلاء من بني البشر أن الشذوذ هو مَحض الخطأ ، فأصبحتْ ترى محض الحق شذوذا صِرفاً ، وضلالا مبينا ، وتخلفا ورجعية وتمسكا بما لا ينفع الثكلي.
فهاجت نفسي ، وانفطر قلبي ، وجرى دمعي على خدي ، زفرات تعلو ، وآهات تكتم وهي بين ذلك وذلك شاردة ضائعة.
خلوت بنفسي يوما فحدثتْني وحدثتُها ، وآنستْني وآنستُها ، وفرجتْ عني وفرجتُ عنها ، استنصحتها فنصحتْ بما ينصح به حكيم ، ويتفوّهُ به عاقل رزين ، حتى أصغيتُ لها بمِسمعيّ ، ونظرت لها بناظريّ ، وقالت أي رفيقي : هوِّن عليك ولا تحزن ، فالليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر ، والشمس مهما اشتدت فلا بد من بزوغ القمر.
فشمسٌ تغيب ، ونور يختفي ، وأمتى بين غياهب الجهل تترنح ، وبين ظلمات الضياع تتصارع ، والفاقة تضرب بأهلي وعشيرتي وصحبي ، فلا أجد من يُسَلي غربتي ووحدتي ، ولا من يخفف كربي ويزيل همي ، فأنظرُ للسماء صارخا : أيا رفيقتي ؛ دونكِ حياة هي بالموت أشبه ، وعيش هو للثكل أقرب ، وما أستطيع دونكِ صبرا ، ولا تحملا ولا كسبا ، فهلّا كشفتي عن سحائب جهل أمتي وغفلتها !
أما آن لكِ أن تمطري علما ورشدا وبصيرةً وفقها !!
أما آن لأمتي أن تعرف سبب مرضها فتبرأ !
أما آن لها أن تسمع لنصح حكيمها فتخرج غانمة !
أما آن لي أن أستريح ولا أتعب !!
أجيبي ولكِ الأجر من الرحمن وحده ، وعليه التكلان ، وهو المستعان ، وحسبي الرحيم الرحمن ونعم الوكيل.
-
السيد الأميرإذا لم تستطع شيئا فدعه ** وجاوزه إلى ما تستطيع. ^^