سَلامٌ عَلى قَلبِك أيْنَما دَق، فَإن صَداهُ يَرْتد إِلى صَدْري نَبضًا يشُقُّ الأضْلُع
أما بَعد، فَلا شَيء بَعْدَك يَبدُو صائبًا، ولا شَيء بِدُونك يَحْمِل مَعْنى
أو هكَذا يَظن جَانِب مِنِّي عَلى الأقل.
أُبْلغُك، أنَّ مركِبي قَد رسَى بشطك، مُحملاً بأشْواق لم يقْوَ على تبديدها زمَنٌ قاسي ولا أصْحابُه، وما زال في جُعبتي مُتسَعٌ من وِدٍ وغُفْران.
بلهفة الشهقة الأولى التِي جَمَعتْنا، أفُك قيْدا التف بأيدينا سَهْوا يوم مضَينا بدون إسم يلِيق بنا
ورَسَمْنَا عَلَى القَمَر مَوْجاً لا يَنْتهي من العَتَب والحَسْرة وشيْئا من الخوف والخجل.
أرسُو إليْك، وللوَهْلةِ الأولى أجِدُ أنَّ الزمَان قَد غيَّر ملامحك الدافئة، وغَلفَك الشجَن، لكنَّك معروف لعَيْني وسطَ الجُموُع وإنْ كُنت مجْهولا لمن يقرأ.
أَيَا عمْرا تسرَّب من يَدِي عنْد نَزوةِ كبريَاء، أيَا روحاً عَادَت لتُحيي أَرْضِي المَوات
أيًّا كَانت الحماقَةُ التي أعادَتك، فهِي أعْقَلُ فِعل مجنُون يُنْصِفُنا من قَسْوة أيامٍ تَفَننتْ في تعذيبِنَا، ورَمَتْنا بما لا نَتَحمَّل.
فرصةٌ أخرى قلّما تُمنح، وقد رَزَقنا القَدَر من هَذا الفَضْل،
فهلا تُبْنَا عن أخطاء المَاضِي، وزرَعْنَا أشجار الثقَة بيننا وحُقُولَ ورْد لا تَذْبُل؟
ولا أخْفيك، أنني في مَملَكتِك أسيرُ وقَلبي بين يدي أحميه، كسِراجٍ أخَافُ عليه الإنطفَاء برِيحٍ من الماضي قد تعْصف، فقد تغيرت الدارُ، واختلفت الطَرِيقُ عما كنتُ أسْلُكه،
أعيد اكتِشافك، وعقلي مُصَوبٌ على أدق التفاصِيل الجديدة فيك، وعند أدنَى خَشْخشَة
أطبِقُ رَاحتي على قَلبي وأعود أدراجي، خائفةً من أشباحٍ بمخَالِب كسرت فيَّ أمنِيات غضَّة ذات فرصة.
وأظُنك تتفهم أسباب ارتباكي أمامك، وأرجو أنْ تتَقبل حضور غِرْبان الشك، الباحثة عن اليَقِين في خطانا الجديدَة.
ثم فجأة، ها أنت تصمتُ، وتَخْتفي كَما جِئت أول مَرَّة، عند بَاب قرارٍ حلَّفْتُك بالله أن تصدُقني فيه، تاركًا روحي لعوَاصِف أسئلة، وإجَابات وحش مسْتَعد للفَتْك بكل ما يحول بيننا، يجاورهُ مَلاَكٌ عتِيدٌ يرفُض أن أتَحرك،
وبيْنهما صَوْت عَمِيق يُخبرنِي بِرزقي قَبل أن يَأتي، أحَاول إخراسَه بكل قُوتي، فمَا عُدت قادِرةً على إطالَةِ عُمْر الظنُونِ ولا التظاهُر بفهْمك رَمزًا،
فالغيابُ أتى أُكْلَه، ولن أرْضى بغَير حُضورِك كَامِل الأرْكان والمستمر، رُغْمًا عن أنف السكون بيننا، ولن أسْمحَ بمُرور عِيدٍ تَغيبُ فيه، فَأنا لا أكُون بخير إلا بِك ومَعك.
وهذهِ يدِي مَمْدودة إليك ولن تسْحب حتى تَطلُب ذلك وبإرادة حرّة.
فأجمَل مَا فيك أجْنِحَتُك
وأجْمل ما فيها حِينَ تُقررُ التحْليقَ بها
وأجملُ مِن كُل هَذا لَو تَخْترقُ هذا الصَّمت الذي يَكَاد يُفْقدنِي صوابي،
فلا أدْرِي، هلْ أتَقدَّم أمْ أتراجَع؟
وقد كان هذا سلاحَك الوَفي، الذي يَعْبث بِمشاعِري فَأكرَهُك أوَّل النهَار، وأُمْسي عَلى عِشْقك آخره، وأنا التي لَم يُخْلَق لَها عَيبٌ قاتِلٌ غير قلة الصَّبْر وتَهوُّرٌ خطِير يُغَذيه جُنُوٌن فِطْريٌّ تعْرِفه.
كلُّ الطرق إليك سالكةٌ، لكنني أنْتَظر مِنكَ أن تُنازعني الخُطَى مَن يَصِل أولاً لا من يَجْبُنْ
أراك أمامي، فهل تراني؟
لقدْ مَسنِي الفَرحُ يوم الإعترافِ الأعْظم ولمْ يَبْدُ عَليكَ نَدمٌ او وَجَلٌ مما هُوَ آتٍ،
سرورٌ غَامرٌ اسْتقَامَت بهِ أيامِي بَعْد إعْوجاج، وقَد تجرأتُ أخيرا علَى خَلْعِ معْطف قوَّةٍ عرفْتَني به، وأطلُبُ منكَ مُلاقاة الجَانب الهش فِيَّ، الذي كُنْتَ تَقْدره دون أن تَرَاه.
وإني اليَومَ أكْتب إليكَ من أبعدِ رُكْنٍ فِي هذا الكَوْن
أكتبُ لك مِن الجَانِب المُظلِم في رُوحِي
فَهَلْ تسْمَعُنِي؟ !
#ابتسام_حمامي
(ملاحظة هامة: لا يسمح الإقتباس إلا مع ذكر المصدر واسم الكاتبة)
-
ابتسام حماميأشياء أكبر من أن افهمها ...تسكنني