رسائل من تحت الركام
إلى صوفيا
نشر في 16 فبراير 2021 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
عزيزتي صوفيا أكتب إليك رسالة أعرف أنك لن تقرئيها أبداً، لكني أكتبها رغماً عن ذلك نكاية في القدر، لعلِّي أُبادله السخرية عندما ضحك عالياً بعدما سحق أحلامنا.أتذكرك دائماً الآن لأن الشتاء قد أتى،ذلك الفصل الذي طالما أحببناه، لقد بِتُّ أبغضه بشِّدة لأن طيف أحلامنا العذبة أصبحت تعاودني الآن على هيئة كوابيس.
كيف حالك ؟ أمازلت تحتفظين بتلك الضحكة الجميلة أم أن فوهات المدافع والصواريخ أصابتها بالبكم. هل ماتزال روحك خضراء ونضرة كغصن الزيتون أم أصابها الذبول مثل مستقبلنا. لاشيئ يدوم في هذه الحياة ياعزيزتي سوى مآسينا. لطالما كنتِ ترددين أن الغد أجمل لكن هذا الغد لم ولن يأتِ. نحن نعيش في أوطان تسرق منَّا كل مايمنحنا السعادة حتَّى وإن كان رؤيتك في المنام. ماعادت الفواجع تؤلمنا فقد فقدنا الشعور، لسنا سوى جثث ناطقة لأن المرء يموت عندما تتوقف سعادة قلبه لانبضاته. علمت أن لديكم ندرة في الغذاء والدواء، كم هو غريب أنهم بخلاء في بذل أسباب العيش لكنهم كحاتم الطائي في توزيع أسباب الموت. تُرى هل يكرهوننا أم يكرهون الحياة؟لايهم الأمر سيّان ياعزيزتي فقطار السعادة قد نسينا في محطة البؤس وغادر. لم تعد لدينا الرغبة في الَّحاق به، أظنُّ أنك تعلمين لماذا، نعم لقد اعتدنا تعاستنا وألفناها بل أحببناها لأنها هي فقط من لم يتخلَّ عنَّا. لم تندمل جراحنا لأنها في أرواحنا وليست في الأجساد.السعادة شيئ مجهول بالنسبة لنا والانسان يخاف مايجهل.
لقد أعدت قراءة كتب دوستويفسكي وتشيخوف التي قرءناها سويةً ياصوفيا، أعتقد أنني أفهمها الآن بصورة أكبر لأن المآسي تصقل البصيرة وتضيئ مناطق كانت مظلمة في الفكر. أعرف أنّه إن قُدِّر لكِ أن تقرئي هذه الرسالة ستسأليني مالعمل؟ أنقاوم أم نتأقلم؟ أعترف أنِّي لا أملك جواباً لهذا السؤال، ربما كلا الجوابين خاطئ فنحن كما قال أحمد مطر لسنا ماء لنتأقلم على الإناء الذي نوضع فيه كما أنه لم يعد بوسعنا المقاومة لأن المعاناة استنزفت قوانا ونهلت من معين صبرنا حتى نضب.
كنت بصدد أن اكتب عن مدى اشتياقي لك وافتقادك لكنِّي تراجعت في الَّحظة الأخيرة لأن المشاعر تفقد جزء كبير من طاقتها عند البوح. لكنني بِتُّ أراك في كل جميل تقع عليه عيناي، في خيوط الشمس البيضاء عند الشروق ولعب الأطفال، وفي ابتهالات المتصوفين و حكايات الجدات.
كم أتمنى لو تمنحنا الحياة فرصة الِّقاء مجدداً لأقرأ لك الأشعار التي كتبتها فيك وأسمعك الأغاني الَّتي أنشدتها لأجلك. إياكِ أن تظنِّي أنِّي غاضب من القدر لا يا أميرتي فأنا أعلم أنّه لايحمل ضغينة ضد أحد،هو فقط كالأعمى الذي فقد عصاه.الحظ هو المُلام لأنه من رمى بِنا في هذه البقعة وهذا الزمان.علَّمني ألبير كامو أن تقبل عبثية الوجود هو السبيل إلى مجاراة آلامه وعلمتِني انت أن الإيمان والحب هو مايبعث الحياة في أجسادنا لذا فأنا مدين لك بحياتي.
-
Mohammed alawadhطبيب من السودان مهتم بالثقافة
التعليقات
أن تمنحنا الحياة فرصة أخرى؛
لنعيش تلك السعادة
الغائبة ونستعيد أحلامنا المسروقة.
كلماتك تحكي واقع ربما يعيشه كل منا بطريقة مختلفة.