واقع تكافؤ النسب - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

واقع تكافؤ النسب

مراجعة فقهية واجتماعية

  نشر في 12 أكتوبر 2016 .

لننظر للأمور بهدوء ونحاول أن نفهم الأمور بطريقة عميقة حتى نصل للنتيجة المطلوبة: هل مسألة تكافؤ النسب مؤصلة في شريعتنا الإسلامية؟ فإن كانت كذلك فما أدلتها؟ وكيف بُنيت أحكامها؟ وما العلل المعلقة بالحكم فيها؟.

ما طبيعة هذه القضية في مجتمعنا الآن؟

عموم مصادر التشريع الإسلامي تشمل الكتاب والسنة والإجماع والقياس والمصالح المرسلة والعرف وغيرها. والعُرف بحسب ويكيبيديا يعني " ما تعارف عليه أهل العقول السالمة وليس في الشرع ما يخالفه".

الدليل العام من السنة الذي "يستأنس به" في هذه المسألة هو قول النبي صلى الله عليه وسلم : "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن: الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة" . صحيح مسلم.

وأما تقريرات العلماء في مسألة تكافؤ النسب فملخصها أن الإمام مالك لا يرى الكفاءة في النسب. أما الحنابلة (فدوَّنوا) ذلك شرطاً لصحة النكاح ولم يعتمدوه. أما القول الذي عليه جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة فيما اعتمد عنهم فهو أن الكفاءة حق للزوجة والأولياء، فإذا أسقطوه فلهم ذلك والنكاح صحيح.

الحنفية رحمهم الله أكثر تأكيداً لهذه المسألة وإمامهم أبو حنيفة رحمه الله لم يعر نسبه أي اهتمام وهو الفارسي غير العربي. لكن هذا الإمام العظيم أقر هذه المسألة وتبعه في ذلك أصحابه وفقهاء المذهب نظراً لدرايتهم بأحوال الناس وتحصيل المصالح ودرء المفاسد وتنظيم أمور الناس.

لنقفز الآن مباشرة صوب مرحلتنا الراهنة: فما زال أهل الجزيرة العربية يعطون النسب منزلة رفيعة وهو في حقهم أولى. مجتمع عمره المُغْرَق في الحداثة لا يتجاوز ثلاثين عاماً على الأكثر. ولم يعش مطلقاً تفاصيل العصر الصناعي في القرنين التاسع عشر والعشرين!.

في الغرب على الجانب الآخر، تبقى العنصرية ضد الإثنيات والأعراق حقيقةً ماثلة لم تغيرها حداثة المائتي عام المنصرمة بما تحتويه من دولة الحقوق والمؤسسات والمواطنة والديموقراطية وحتى العلمانية واستنساخ الأنماط والثقافات عبر العولمة.

التصنيفات الاجتماعية في الجزيرة العربية وتحديداً في السعودية تقوم على إرثٍ تاريخي ضخم وأعراف راسخة لا يمكن عطبها من الذاكرة والسلوك بسهولة!. ومهما يكن من أمر، فإن هذه الحقيقة لا تنافي مبدأ الأخُّوة الإسلامية، ولا المواطنة، ولا حسن الجوار وبذل المعروف وحفظ الحقوق وتبادل المنافع، ولا مشاركة المصالح والانتماء لوطن يدافع عن الجميع وينتفع به الجميع أيضاً. أما القضية الوحيدة التي ينظمها هذا التصنيف فهي الزواج والمصاهرة.

المجتمعات متفاوتة بالطبع في قضية تكافؤ النسب، بين محافظ ومتساهل.. فإن كان المجتمع الذي نستقصي فيه قضية تُدار في المحاكم حول طلب فصل زوجة عن زوجها، مجتمعاً يرى دون النسب والمصاهرة – خرط القتاد، فلماذا نستغرب شيئاً كهذا يحدث من قضايا الفصل بين الزوجين؟!. ثم لا نستغرب في الوقت نفسه، وجود تدليس محتمل وغير مبرر في هذه الزيجة!.

في جانب القضاء وعلاقته بهذه المسألة تحديداً، فالحقيقة التي أراها أن دخول وسائل الاعلام في مسائل كهذه ينظرُ فيها القضاء جريمة تستحق العقاب. وليس ذلك لتحصين القضاء من النقد، ولكن القضية في طبيعتها شخصية وأسرية بالدرجة الأولى، ومن المعيب أن تنتقل لمحاكمات المجالس ووسائل التواصل الاجتماعي!.

ما المانع بافتراض أن القاضي لا ينظر إلى القضية بأقوال الإمام الأعظم رحمه الله ولا بتقريرات الحنابلة، بل بالضرر الذي وقع، إما بالتدليس والغش، أو وقوع إشكالات بيتية بعد الزواج أحالت تلك الحياة الزوجية لجحيم. لماذا لا نقول أن ثمة تفصيلات لا حق لنا في الحصول عليها وهي عند القاضي يستند إليها في تعاطيه مع القضية وإصدار حكمه بشأنها؟!.

وفوق ذلك، لم لا نتساءل عن حجم الضرر المترتب على استمرار زواج بهذا الشكل وقد دخل المحاكم بطلبٍ من أسرة الزوجة، وماذا ينتظر قريبات الزوجة من الشقيقات وبنات العمومة إذا عُلمت تفاصيل القضية ولم يُنَفّْذ قرار الفصل؟. صحيح أن أبناء الزوجين سيتضررون بهذا الفصل، لكن المسألة عند القاضي تخضع لتقدير المصلحة.

لذلك فإن النقد اللاذع لفكرة تكافؤ النسب من داخل المجتمع السعودي – في نظري – هو نقدٌ ينحو باتجاه "اليسار". ونعرف أن كثيراً من أفكار "اليسار" تلفظ الواقع وتهيم في أحلام لا حد لها، حتى يحين ذبولها!.

ومثلما يطالب الجميع بــ "فقه الواقع" في الشريعة الإسلامية التي تعلو ولا يُعلى عليها، فمن باب أولى أن نطالب (بالتَعَقُّل) إزاء هذا الملف الذي يمثل عرفاً راسخاً ما أنفك أثره حتى وقتنا الحاضر. 



   نشر في 12 أكتوبر 2016 .

التعليقات

اهنئك على هذا المقال الرائع استاذي ..
الموغل في الواقع المعاش.. والمتجرد من المثاليات المنمقه ..مستشهدا بالسنة واقوال الأئمة والعرف المتزن ..

اشاطرك الرأي في هذا الطرح الى حد اليقين .
0
سلطان آل يحيى
لي الشرف باطلاعك وإعجابك أبا سلطان.. حفظك الله وجعلني دائما عند حسن ظنك

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا