خرجت من رواية "طعام .. صلاة .. حب" بمعنى لا أظنه معناها الرئيسي الذي قد يصل لأي أحد يقرأها ، إلا أنني قد أكون أخذت ما ينقصني ..
لاحظت بطلة الرواية تحب السفر فسافرت وجابت البلاد ، تحب الطعام فتأكل وتتذوق منه أنواعًا مختلفة ويحضرني المشهد وهي تعد طبقًا وتزينه لتستمتع بوجبتها ، تحب الكتابة فعمِلت كاتبة ، أُعجِبَت بتجارب دينية فخاضت تجربتها الخاصة في العزلة واليوجا وصاحبت عرافًا ..
تعجبت أولًا منها كيف تفعل كل ما تحب وتدلل نفسها كأنها طفل كلما بكى طالبًا شيئًا أعطته إياه ؟! ثم وجهت هذا التعجب إليّ .. وسألت نفسي .. = وأنت ماذا تعني لك نفسك ؟
- صمتُّ مشدوهًا قليلًا ثم أجبت .. نفسي هي مطيتي للوصل لغاياتي وتحقيق مبادئي .
= نعم .. أحسنت .. ولكن ألا تستحق هذه النفس المسكينة أن تسألها مرة .. وأنتِ ماذا تحبين ؟
- لكنني أفعل أشياءً أحبها !
= هل تفعلها حقًا لأنك تحبها ؟
اكتشفت أن كل شيء أفعله أفعله لحسابات واعتبارات غير شخصية بالدرجة الأولى .. حتى الترفيهي والممتع منها عندما سألت نفسي عن دافعي إليه كانت الإجابات "لأنه يجب أن .. لأشارك فلانًا .. لأنهم يريدونني .." لم أقل لأنني .. وجدت كل الاعتبارات أولى من نفسي .. أين نفسي ؟!
لم أعتد أن أعد طعامًا إلا إذا كان على مائدتي صاحب وإلا ازدردت أي شيءٍ على عجل .. شيئًا يسد رمقي وحسب ، حتى سألني صاحبي مرة .. لماذا لم تهيئ طعامك _كما تهيئه إذا شاركتك_ يوم غبتُ عنك ؟ فأجبته أنني ما دمت وحدي فالأمر لا يستحق العناء .. قال : ولكنك "أنت" تستحق العناء !
نعم أنا أستحق اهتمامي وعنائي .. سألت غيري كثيرًا عما يحبون ويفضلون وعن هواياتهم ولكنني نسيت أن أسأل نفسي نفس السؤال بنفس الاهتمام .. حتى عندما أجبت غيري عن ذلك إجيبهم منتظرًا منهم تلبية رغباتي لا لألبيها أنا !
لم أطلب من أمي أن تعد لي طعامًا معينًا إلا مرات معدودات ، بل آكل ما يقدم لي وحسب .. لماذا لا أنظر أيها أزكى طعامًا ؟.. لماذا أعامل نفسي بهذا الازدراء ؟!
بدأت أحدث نفسي برفق محيطها بذراعي .. ماذا تحبين ؟ ما هواياتك ؟
أبدت نفسي بعض رغباتها .. أحب الرسم .. أخذت جوائز في المدرسة وطُلبت كراستي لتعرض في معرض التربية الفنية ، هل أحب الرسم أصلًا أم كنت أفعله فقط كفرض مدرسي ؟ ولكنني أشعر بالسعادة عندما أرسم .. أحبه إذًا ، أحب الخط الفارسي .. لِمَ لَمْ أحاول أن أتعلمه من قبل حتى وإن كان الدافع الوحيد هو الهواية .. أحب البشاميل والمحشي والدجاج والحلويات لأول مرة أعبر بهذه البساطة ، أحب البحر ومشهد الغروب ، أحب الشعر .. قائمتي طويلة لن أتخمكم بها ، لكنني أعلمها ليس ليلبيها لي أحد ، بل حتى لا أنسى نفسي في الزحمة ، وحتى لا أصبح مجرد آلة لها وظائف تقوم بها فتجيد أحيانًا وتسئ أحيانًا ، حتى ألبي حاجات نفسي فأعينها على تحمل ما أثقلها به .
-
عبد الله نجيبخريج أصول الدين - جامعة الأزهر .. طالب ماجستير في الفلسفة الإسلامية - جامعة القاهرة