كونوا أحياء لأجلكم.. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

كونوا أحياء لأجلكم..

الليل أكثر ما يجبر المرء على الاعتراف

  نشر في 24 غشت 2017 .

ذلك الشيء الذي جعلني قاسية هو نفسه ما كاد يقتلني ، لا أريد من يواسي جراحي ، فجراحي قادرة على أن تلتف حول نفسها و تبدو كأنها بخير، اريد فقط من يَصدق معي حتى النهاية ، ربما سألتم عن جراحي كيف تبدو ، تعالوا و اسألوني مجددا، سأريكم كيف تكون هي الجراح، و كيف أنها لا تصنع من المرء سوى قسوة لا تُطاق، في حين تجعله جراحه كالوحش الثائر الذي لا يرى اي حدود في الطريق يكون قد اصبح قاسي على نفسه حتى... اقتربوا قليلا مني سأريكم كيف تبدو الروح حين تأخذ اخر انفاسها، سأريكم كيف تكون و من أين تصبح سواداً لا ينتهي..

ربما موقف، فكرة ، او ذكرى تفسر من اين و كيف يصبح المرء فاقد لروحه ..او ربما شخص واحد يظهر امامك في لحظة فيكون كفيل بتفسير كل شيء .. اقتربوا قليلا من حدودي التي كانت، لأريكم كيف تحطمت مع مرور الوقت.. اقتربوا مني .. بشكل كافي، لأشرح لكم كيف يكون المرء لوحة خرساء بداخلها كل انواع الكلل و الإعياء .. لن تندهشوا صدقوني، فكل ذلك كان قد رُسم بشكل دقيق على ملامح وجهي ، ثم أنني لم اصمد ان كنتم تعتقدون ذلك.. لم اصمد اقسم.. كل ما في الأمر ان كل شيء وقع بي ..الا جسدي، لذا سأبدو غالباً بأنني قد استعدت اقدامي من المعركة و وقفت مجددا كالجبل .. و لن تندهشوا صدقوني ، فكل خطوة اخطوها يفضحها ارتجاف المسير .. خطواتي مهزوزة ، و اقدامي تسير بشكل غير متزن ..

اذا كنتم قد نسيتم كيف تكون ألحان الحب ليلاً، اقتربوا مني قليلاً.. سأريكم كيف تبدو الأوتار حزينة و مهجورة، سأقول لكم كيف تكون الألحان متألمة و دفينة ، و كيف تأنّ المعزوفة شوقاً للقمر والليل وكل ما يليق بها من مشاعر مختبئة، البشر لا يجيدون الإحساس بتلك الأشياء الجميلة، يجيدون الكذب كثيرا و الهرب من كل ما قد يسعدهم و لو للحظة ، سيقولون بأن تلك المشاعر الجميلة تنتقص من كبريائهم اللعين ، يعيشون طويلاً و يُدفَنون بالتراب وهم يلتفون بذلك الكبرياء كَكفنٍ متعفن، عن ماذا تسألون أنتم .. هل تُنسيكم انجازاتكم العظيمة في الحياة كيف يكون الإنسان ؟! ... هل ينسيكم الغرور ذلك الطفل البريء بداخلكم فتحرموه حتى من أبسط حقوقه، هل لا تلهوا انتم ببعض من الفراشات و الطيور .. ببعض من اشعة الشمس التي تحرر كل روح من البرد ؟ ... هل لا تصمتوا انتم قليلا حين تلامس نسمات الليل الهادئة شيء من مشاعركم المنسية .. هل لا تسمحوا لها بالاستيقاظ والتعبير عن نفسها بشكل عفوي ولو مرة ؟ .. هل تفعلون كل هذا لأنفكسم فقط كي تبقوا بتلك الصورة الناصعة ..التي لن تخلد حتى ..؟؟!

اقتربوا هكذا قليلاً مني .. لأريكم كيف ابدو من الجانب الآخر .. كيف اكون و انا بعيدة عن الناس و زيف مشاعرها .. كيف أكون منصتة تماما لصمت الليل الذي يصنع بركان بداخلي .. و كيف هكذا اتواضع و انحني شوقاً امام مشاعري الاصيلة .. التي لا انتظر الحكم عليها من الآخرين ، اقتربوا لتعلموا كيف يكونون الأحيآء أحيآء ، و كيف تنسلخون من ثياب الأموات التي ترتدونها بشكل يومي اعتقاداً بأنكم تبدون أقوياء .... سخافة الحياة المزيفة شيء كهذا ... !

بقيتُ هكذا في المنتصف المميت ، اريد الشعور و لا اريد الشعور .. كنت اظن بأنني استطيع البقاء كالجليد ، استطيع التوقف عن التعبير و حتى الشعور .. ظننت بأنه ربما تكون هذه هي الراحة ، حاولت كثيرا الثبات على تلك المشاعر المُجنَّدة و كأنني دائما مستعدة للحرب ، ثم ادركت أنني استطيع الكذب على الكون بأكمله الا على نفسي .. لم استطع ، كان كل شيء بتلك السهولة ، استطاع القليل من الليل و سكونه ان يذيب ذلك الجليد بدآخلي ، كانت القليل من النجوم قادرة على تذكيري بأنني كاذبة.. بأنني مآزلت اشعر .. بأنني لن افقد احساسي مهما حاولت ، القليل من السُحب المهاجرة بتلك الليلة كانت باستطاعتها أن تحتضن كل جرح بداخلي .. تأكدت حينها أن الامر سهل الى تلك الدرجة ، تحولت من شيء لا يشعر الى فتاة صغيرة تبكي كل ما بداخلها .. حيث اصابتها فجأة غصة الألم تلك في منتصف ضحكتها الكاذبة .. لتجد نفسها تبكي بعمق و كأن كل ما كانت تدفنه من مشاعر استيقظ كالأسير الذي يرفض أن يفقد الحياة .. وجدت هذا هكذا ..

أحياناً نرفض شيء ما بشدة و نحن اكثرنا حاجة إليه ، لماذا نرفض أن نعيش كما نحب .. لماذا كان علينا منذ الصغر أن نتعلم كيف ندفن رغباتنا العفوية امام الناس .. توقفوا عن البحث في خارجكم .. اعتنوا قليلا اكثر بما في داخلكم فالحياة تكمن هناك تماما.. ليست أعين الناس هي ما تحدد قيمتك .. ليس كلام الناس ما يحدد كيف تكون .. و ليس ما في قلوب الناس يعبر عما في قلبك .. لا تسمحوا للآخرين باغتصاب تلك المشاعر الاصيلة بداخلكم .. كيف لهم ان يحولوها من حاجة اساسية الى شيء بالكاد نتذكره ، هكذا هم ينشغلون بالحياة و التصفيق و ينسون انفسهم في وسط تلك المسرحية التافهة ، التي لا تعبر الا عن مأساة تسكن الأرواح و تصنع منها جُدُر تصبح ثقيلة و مستحيلة الكسر كلما ما مرت بها الأيام … دعوني اقول لكم كيف تبتعدوا قليلا عن صخب الحياة و ضجيج تلك المسرحية المزيفة و ادوارها الكاذبة، اقتربوا و لو لمرة من الليل، ليعلمكم كيف تصبحون أحياء، استمعوا له قليلا، ليشرح لكم كيف أنه ليس ذلك الوحش المخيف الذي اعتدنا على الهروب منه.. إنه أجمل جزء في الكون، و لو أنه يسكن بداخلنا قليلا و يستقر على صدورنا قبل أن نغفو ، سنشعر بصدق مشاعرنا ،فهي لا تظهر بثوبها الحقيقي الا ليلاً.. فالليل اكثر ما يجبر المرء على الإعتراف..اقتربوا قليلا من كل من تظنون أنكم تكرهوه ، ستجدون بداخله شيء من هذا يخشى التعبير عنه .. فهو تعلم بشكل ما انه سيفقد شيء من كبريائه حين يعبر عن الحقيقة التي بداخله و ليس ما يريدونه الآخرون .. انظروا هكذا قليلا إليه ستجدون به تلك العفوية التي تبحثون عنها ، انظروا إلى كل شخص كما تحبون أن ينظر إليكم، ستجدون كم هو طفل جميل يخشى السعادة ، نعم يخشاها .. لأنه سيستمع إلى أحكام مسبقة من الآخرين ..تصنع منه شخص بائس بالكاد يلقي السلام، لا تجعلوا من بعضكم وحوش ثم تتحاسبون على ذلك، ماذا لو اعتذرنا لكل شخص جعلنا منه يوما وحش لا يستكين ، ماذا حقا سيحدث ؟ .. لماذا نتراجع هكذا قليلا عن هذه الخطوة و نبدأ بعدها بالعتاب واللوم.. دعوكم من كل تلك القصص الكاذبة ، دعوكم من ان الناس اشرار، و من الظن السيء، دعوكم من ان الليل اسوأ ما قد يحدث للإنسان، دعوكم من ان البكاء ضعف و ان الابتسامة للغريب وقاحة ! .. كونوا انفسكم لثواني معدودة ستدركوا ذلك الفرق اللعين بين الإنسان و البشر .. ستجدون كم كنتم تخشون تلك السعادة التي تأتي من قطعة حلوى تأكلونها في الطريق أثناء المشي.. ستجدون كم هو شيء جميل حين نشارك شخص غريب في الشارع فرحته ، و حين نُضحك شخص يبكي عند حافة الرصيف .. ستفهمون جمال أضواء المدينة البرتقالية والبيضاء ليلاً، ستدركون كم ان المشي تحت المطر شيء ثمين و ليس مرض ، و كم ان الغناء اثناء رحلة شيء يستحق التجربة و كم ان كل شيء تعتقدون انه ينتقص منكم لا ينقص سوى من سعادتكم و حياتكم .. تأملوا في النجوم و حاكوها كأنها صديق ،ستدركون كم ان الكون يتّحد لأجل أن يسعد ارواحكم و يواسي احزانها ..ستجدون معنى أن نعيش دون قيود وهمية ، السعادة ليست وقاحة ولا هي تخص شخص ما ، أرواحنا الحقيقية هي السعادة و هي الإنسانية، رفقا بأنفسكم ..خففوا عنها ذلك الحمل ، اجعلوا ظهوركم خفيفة مستقيمة..

لن يكون ذلك سهلا او ربما يكون .. المحاولة لم تكن فشلا قط، ابتسموا هكذا حين تتذكرون موقف طريف في وسط الشارع ، لا تفكروا كيف ستبدون ، لأنكم ستبدون بغاية الجمال كعادتكم وانتم لا تعلمون، نعم سيحكم عليكم الآخرون سيقولون بأنكم حالمون و انكم اطفال، سيقولون الكثير ..و ما به؟ ماذا سيحدث لو حلمت قليلا وسط قباحة الواقع؟ ليكن .. مابه لو كنت طفلاً في لحظة مناسبة لذلك تماما؟ .. لا شيء يا صديقي،لن ينهدم الكون فوق رأسك .. و لم يكن الحلم يوماً بشيء يعيب الإنسان .. بل الحالمون أحياء و الموتى لا يحلمون ..كل شيء عظيم وُلِد من فكرة بسيطة،من خيال واسع و حلم في لحظة بريئة، لا تترددوا كثيرا،و لا تسألوا ما ان كانت مشاعركم هي الانسب في موقف ما ، عبروا عنها كما هي بعفوية و احساس .. دعوكم من التصلب و من الغرور و من الصورة الناصعة، كل هذا لا يبقى شيء منه حين يأتي الليل ليستقر على صدوركم ، تذكروا انفسكم قبل ان يذكركم بها الليل و ما يحمله من صدق، ستكون تلك اللحظة هي الأجمل و الاكثر ألماً في آن واحد .. فكّوا تلك السلاسل عن أعناقكم و ازيلوا تلك الأقنعة المُتعبة فهي ترمي بكم مستهلَكين مستنزَفين في اخر الليل على السرير ، ستبكون كثيرا دون ان تدركوا لماذا ، اتركوا الكذب للنهار و الصدق لِ الليل ، و انا سأترك لكم في آخر هذه السطور شيء لتدركوه، شيء يخصّكم ..لا احد يدركه سوى انتم والليل .


  • 1

  • Mais Soulias
    الكتابة ليست مجرد ورقة وقلم , إنما حوار بين الإحساس والصمت ، أكتب لأنني أشعر، لأنني.. أريد أن أحيا لا أن أنجو❤
   نشر في 24 غشت 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا