ابنائي الاحباء كان بودي عندما تكبرون ان اخبركم وكلي فخر عن طفولتكم الجميلة ذات اللحظات الوردية المبهجة الرائعة وان استرسل وبكل زهو في شرح اساليبي التربوية الناجحة التي طبقتها وحققت فيها نجاحات باهرة كان نتاجها انتم احبائي .... لكن الحقيقة غير ذلك ....
في تربيتي لكم كنت اخوض غمار معركة طاحنة بين قلبي الذي يريد ان يجود وبلا مقابل وان يدلل وأن يعطف وأن يحنو وأن يعطي من الحب جرعات مركزة ، وبين عقلي الذي علم ان الحب وحده لا يكفي لتربية أبنائي على القيم والاخلاق الحسنة والمبادئ الصحيحة وتعاليم الدين القويم فلا بد من الحزم والشدة ولابد من بعض الخشونة في التربية.
فلا اريد ان اصور لكم احبائي ان الحياة سهلة يسيرة سلسة في كل مراحلها ولا أن طريق النجاح محفوفة بالورود والرياحين وأن لا حاجة لبذل أي جهد ولا أن الحياة عادلة وتأتي فيها ظروفنا كيفما نشاء ولا أن طلباتكم ستكون دوما مدار اهتمامي وعلى رأس اولوياتي .
اريد ان اربيكم على القوة والشدة وعلى مقارعة هذه الحياة بكل جلد وبنفس طويل لا أن تستسلمو من أول عائق ولا أول عثرة ولا أول فشل .... أريد أن اربيكم على اقتحام متاهات هذه الحياة دون أن تفقدو البوصلة نحو مبادئكم وثوابتكم ...أريد أن اربيكم على قول عمر رضي الله عنه " اخشوشنو فإن النعم لا تدوم " ... أريد أن اربيكم على بذل الجهد ودفع انفسكم خارج منطقة راحتكم وتحدي انفسكم في امور جديدة تبدو للوهلة الاولى مستحيلة ... أريد أن اربيكم لتكونو في الناس شامة وأعلاهم هامة .
احبائي اعذروني ... فيا ليتني كنت كباقي الامهات الحنونات الرائعات العطوفات ... يا ليتني استطعت أن البي كل طلباتكم دون نقاش حول المهم والأهم ودون شرح ممل عن ضرورة الاقتصاد والتدبير وكراهة الاسراف ... يا ليتني استطعت أن اوافقكم على كل تصرفاتكم دون محاضرة عن أخلاق الصحابة وكيف كانو وكيف صرنا .... يا ليتني سامحتكم على كل خطأ وبررته لكم دون أن أبين لكم ارتباطه بالشرع وتأثيره السيء على دينكم ونقاء قلوبكم .... اعذروني لم استطع أن أكون الأم التي تمنيتموها في خيالكم كما تصورها كتب التربية الحديثة والنظريات الجديدة في تربية الابناء وشطحات المنظرات عن روعة التربية وسهولتها .
كنت أما لا يغيب عن بالها في رحلة تربية أبنائها انها تربي افرادا واثقين من انفسهم تكتمل فيهم معاني الجد والاجتهاد والاعتماد على النفس والصبر على شدائد الحياة والتواضع بعيدا عن الأنا والغرور والاعتداد الزائد بالذات .
اريدكم احبائي أن تعلمو أن الدنيا سجن للمؤمن وجنة للكافر وهي ليست دارا للاستمتاع واللهو والانبساط في كل أحوالها ... هي للمؤمن دار اختبار وامتحان في كل خطوة يخطوها هل سيثبت على الحق ام يكون مع امواج الزبد والغثاء ....لا اعدكم بالنجاح من أول مرة ولا بالصمود في كل مرة ولا بدعم الآخرين لكم دائما فربما ستحسون بالوحدة في سعيكم نحو الحق فلا تغرنكم قلة السالكين فالحق أحق أن يتبع .
أحبائي ادعو الله أن يكلل مساعي في تربيتكم التربية الصحيحة بالنجاح وان يغفر لي تقصيري في واجبي تجاهكم وأن يحقق أملي فيكم وان تكونو اضافة نوعية للجيل المسلم الذي نرتجي أن يغير أحوال هذه الأمة ويقودها نحو خلاصها مما يعتريها من ضعف وذلة ومهانة.
وحسبي أني ما بت ليلة الا وهموم تربيتكم تقض مضجعي وشعور بالذنب والتقصير يجلدني ودموع الندم على التقصير تملأ عيني .... احبائي جعلكم الله من الصالحين ونفع بكم وجعلكم قرة عين لي ولوالدكم وسدد على طريق الحق خطاكم .