يشتد صوت الرياح العاتية من الخارج، في الخارج كورونا، وفي الخارج رياح وأمطار، وفي الداخل قلب مرتجف، ونفس خائفة، خائفة من حقيقة تعرفها حق المعرفة، ولكنها تدعي تجاهلها أو نسيانها، وتهلع إزاءها، كان يجب دائما أن نكون أكثر تفهما لفكرة "الموت"، هذه الفكرة الحقيقية البحتة.
ولكننا نستمر بالاصطدام بشكل حاد مع هذه الفكرة في كل مرة يموت فيها أحدهم، نحن غالبا لا نفهم ماذا يعني ألا يعود أحد كان كائنا بكائن.
أو لأننا لا نعرف طبيعة الروح، فتتشابك أفكارنا بشكل سيء نحو فكرة أن الجسد لا يكون بلا روح، يمكننا أن نحتفظ بالأجساد بشكل كامل، ولكنها كعدمها؛ نحن عبارة عن كيان من البواعث والمحركات، شيء يكون، والذي نعرف بالطبع أن الجسد وحده لا يمكن أن يقدمه، كل منا يملك روحا، ولكنه لا يستطيع أن يعرفها بشكل تام، ولا أن يكون معها علاقة ودية؛ لأنها -على الأقل- لا تستأذنه بالمغادرة، بالتالي يمكن القول أنها غريبة عليه، لا يألفها، لذا يتناساها، ولكنها معه في كل لحظة، فكيف يفعل؟
هو حقيقة لا يفعل، يتفعل، أي لا يصنع؛ بل يتصنع.
ولم؟
لأنه إن لم يفعل هذا فلن يحيا أبدا.
إن الأفكار التي تجول بين الإنسان ونفسه ومدى تعقيدها كفيلة تماما بإصابته بالجنون والقضاء عليه، هذا حرفيا طبعا.