إعتزلت الغرام ...!
يقولون بأن الغرام أعمى لكني أرى أن العمى لا يُصيب نور البصيرة ابداً ❤
نشر في 19 فبراير 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
لقد خلق الله الإنسان بغريزة الحب منذ صرخته الأولى من رَحِم أمه إلى الدنيا ، و غريزة الحب تشكل حيز و معتقد مختلف في كل مرحلة ما بالحياة ،
بدئاً من الطفولة التي حينما نتذكرها نتذكر كافة التفاصيل المفعمة بالبراءة و العفوية في العطاء المحدود بقدر إمكانيات المرحلة العمرية آنذاك ، فكانت تتمثل في قطعة حلوى مميزة او جواباً صغيراً مكتوباً بخط فوضوي يشبه فوضوية عجز التعبير عن ما بداخلنا المتمثلة في تلك المرحلة و كانت كلمات الجواب بحجم العمر في ذلك الوقت قليلة بسيطة و لكن باطنها بريء عفوي و صادق .
حينما نكبر إلى أن نصل إلى مرحلة المدرسة المتوسطة ينمو معنى الحب بداخلنا مثلما ينمو العمر و تتغير أولوياته فتصبح غير مقتصرة على قطعة الحلوى و لا الجواب البسيط ، أصبح الحب أكثر عقداً من قبل فنحن نحب المتفوق /ة ذو الشخصية القيادية في ذلك الوقت و الذي يشاركنا بوقته و جهده في الوصول للمزيد من التفوق و النجاح .
بعد أن نصل للمرحلة الجامعية يتغير مفهوم الحب تجاهنا لم يكن بالمُهَداة بما تحبين فحسب و لا تقتصر على التفوق ايضاً ، فإن عامل الجذب يختلف في تلك المرحلة لتكون " المسؤولية " هى مغناطيس الجذب لحب تلك المرحلة .
بعد إكتمال المرحلة التعليمية يختلف مفهوم الحب أيضاً لأنك أصبحت تنجذب للأفكار و ليس الأشخاص ، الأفكار التى تمدك بمزيداً من النور و السكينة و الحب و القوة التى تدفعك للأمام .
كل مرحلة من مراحل العمر تختلف فيها معتقداتنا و أولوياتنا و آرائنا تجاه الحب ولكن يظل دائماً العامل المشترك الذي ينمو منذ مرحلة الطفولة إلى الكهولة هو " العطاء " .
و ما يوجد أجمل من مواقف الأنبياء و الصحابة توثيقاً لمفهوم العطاء في الحب تجاه زوجاتهم .
• روى عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي لم يستَحِ من إعلان حبه لعائشة حين عاد "عمرو بن العاص" منتصرًا من غزوة " ذات السلاسل" وسأله :
" مَن أحب الناس إليك؟ "
ظنًا منه أنه سيكون هو .
فقال له صلى الله عليه وسلم أمام الناس : "عائشة " ! فقال عمرو : " إنما أسألك عن الرجال "
فقال صلى الله عليه وسلم مؤكدًا إعتزازه بعائشة : "أبوها " ولم يقُل أبو بكر أو صديقي .
فالعطاء لم يكن دائماً في صورته المادية فقط بين المتحابين مقتصراً على المواقف المتبادلة المرئية بينهم بل يمكن أن يكون العطاء معنوي بالتقدير حتى و لو كان دون علم الطرف الآخر !
• و لعل من أسمى أمثلة المحبة الصادقة نلمسها في حياة سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي كان يحب زوجته سارة حبًا شديدًا ، حتى إنه عاش معها ثمانين عامًا وهي لا تُنجب ، لكنه من أجل حبه لا يريد أن يتزوج غيرها أبدًا حتى لا يؤذي مشاعرها ، فلما طلبت منه السيدة سارة أن يتزوج من هاجر وألحَّت عليه حتى اضطر إلى النزول عند رغبتها .
فالعطاء دائماً يتمثل في الإكتفاء بالقليل و الإستغناء عن الكثير مادام ليس ممن نحب .
• كان أحد الصحابه يضيق بزوجته جداً لأن صوتها عالٍ دوما فالصحابي من ضيقه ذهب يشتكي إلى أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب فذهب ليطرق الباب فوجد صوت زوجة عمر يعلو على صوت عمر ويصل إلى الشارع فخاب أمله ومضى وبينما هو ينوي المضي اذا بعمر يفتح الباب ويقول له : كأنك جئت لي ؟
قال : نعم ، جئت أشتكي صوت زوجتي فوجدت عندك مثل ما عندي !
قال عمر : تحملتني .. غسلت ثيابي وبسطت منامي وربت أولادي ونظفت بيتي ، تفعل ذلك ولم يأمرها الله بذلك ، إنما تفعله طواعية وتحملت كل ذلك ، أفلا أتحملها إن رفعت صوتها ؟!
و أعتقد لا يوجد أفضل من أن يتمثل العطاء في الإحترام و الشعور دائماً بالرحمة التى ترقق قلوبنا تجاه من نحب مثلما ذُكِر في المثال الأخير لأمير المؤمنين رضي الله عنه .
إذن و بعد تلك الأمثلة لعظماء الأنبياء و الصحابة نتسائل ما هو العطاء في الحب ؟
بشكل مُبَسط :
إن العطاء في الحب هو :
• التقدير و الإحترام لوجود من تحب
• الرحمة في التعبير عن القول و الفعل معاً
• المودة في السعي للإحتفاظ بقلبه
• الشجاعة في التعبير عن باطنك من مشاعر لظاهرك من أشخاص .
العطاء هو الشعور بالإطمئنان بأنك في قلب من تحب .
يقول د. أحمد خالد توفيق :
يبدأ فقدان الحب بأن نكف عن العطاء ، بعدها نكف عن الأخذ ايضاً .
و أنا أقول أن العطاء هو الشيء الذي إذا قمت بإدخاره أفقرك و إن قمت بإهدائه لمن تحب أغناك .
فإذا لم يكن الحب هو العطاء حينها فقط تسقط المشاعر و يُعلَن الإعتزال :
إعتزال ما يؤذيني .
إعتزال تلك المشاعر التى لم تكتمل بعد
إعتزال ما يفقرني بقدر ما أردت أن يغنينى .
إعتزال ما لم يكتفِ بي .
إعتزال عما يشعر بأن حاضري و غيابي مُشابِه .
إعتزال من لم يُشعِر بالفخر بإمتلاكه لقلبي .
إعتزال من لم يُشعِرني بالإطمئنان .
و حينها فقط يمكن القول بأنني :
إعتزلت الغرام ...!
-
jihad elkadyضع قليلا من العاطفة على عقلك حتى يلين و قليلا من العقل على قلبك كى يستقيم