التسويق وغريزة الجشع - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

التسويق وغريزة الجشع

استخدام المؤسسات الرأسمالية للتسويق كوسيلة لتفعيل نزعة الاستهلاك لدى الشعوب

  نشر في 29 فبراير 2016 .

العلاقة بين فكرة التسويق الإداري والرغبة الإنسانية هي علاقة استثنائية حديثة في ظل تقدم تكنولوجي باهـر نشهده تلك العقود إلا أننا نعيش في عالم بائس لا نستطيع أن ننكره، أصبحت منظومة التسويق عضوًا فعالاً في ذلك العالم بما تقدمه من نظريات تلعب على الجانب الإنساني.

يمارس التسويق دورًا قذرًا جدًا مع النفس الإنسانية ويركز على منطقة الجشع الذي ما إن تضغط عليه كالزناد يثور ويهيج كطلقات مطاطية في كل مكان تجاه كل ما يقابله، فتبدلت القوانين التسويقية، فبعدما كان الهدف هو إيجاد الحاجة أصبح الهدف هو خلق الرغبة لدى العميل في اِقتناء المنتج بشتى الطرق، ويعني ذلك أنه بعدما كان الهدف هو تغطية الحاجات الأساسية في الحياة مثل المأكل والملبس وعوامل مساعدة أخرى أصبح القانون هو خلق الدافع والرغبة لدى العميل لإجباره على الشراء بطرق ملتوية.

يلعب التسويق علي تعزيز الرغبة الإنسانية باستراتيجيات ملتوية بما فيها الوجدان والعاطفة والمشاعر والمبالغة والتكرار، تخيل أيها القارئ إعلان لساندويتش برجر مثلاً، تقوم فكره الإعلان على إحضار “موديل” جائع أو مريض بالأنيميا وفجأه يشاهد ساندويتش البرجر كالتالي، تحمله أنثي عارية أو ذكر وسيم وكأنه على وشك الموت جوعًا وأن الساندويتش هو المنجي والملجأ الأخير ليعيش الإنسان سالمًا وكأنه شفي من الأنيميا مثلاً حالمًا أكله!

ثم تشاهد الشوكولا تنزلق من فم الأنثى “العارية” إن كان المنتج شوكولا مثلا فتثير لعابك وتثير شهوة الأكل عندك وتثير شهوات أخرى غاضين النظر عنها، ويتنقل الإعلان من قناة لقناة ومن شارع لشارع ومن صورة لصورة حتي تجبر بداخلك أن تشترى المنتج فضولاً إن لم يكن جوعًا فتنتقل رغبة شراء المنتج أحيانًا من مرحلة الحاجة لمرحلة التباهي لمرحلة تملكك للمنتج لمرحلة تملك المنتج لك، ومثال على ذلك إعلان آخر لحذاء رياضي ماركة معينة، تقوم فكرة الإعلان على إحضار لاعب كرة قدم شهير وهو يلبس ذلك الحذاء وتركز الكاميرات علي نوع الماركة وعلى وجه اللاعب وفجأة ينطلق اللاعب بسرعة جنونية وكيف أن مجرد حذاء حول اللاعب لكابتن ماجد! أو مازينجر! ما الحذاء؟ هو منتج معين يتم صنعه لتغطية القدم، هذا بكل بساطة هو مفهوم الحذاء! لكن الشركات إن وقفت على ذلك المفهوم فبالتالي ستغلق أبوابها خاصة في ظل تنافس مسعور بين الشركات وبعضها.

دعني أشرح لك ما قلته سلفًا، المرحلة الأولى وهي الأصل أنه مجرد حذاء فبالتالي أنت تشتري الحذاء لتغطية حاجات أساسية، المرحلة الثانية هي مرحلة الرفاهية والتباهي وهي أن تشتري حذاء ماركة معينة بتصميم مميز فتتباهى بذلك المنتج، ومن ثم الانتقال لمرحلة اِمتلاكك للمنتج، أي أن تكون الماركة هي خيارك الأول نسبة لضغوطات غير مباشرة، كاقتران تلك الماركة بنجم مميز تحبه وأن تشعر بداخلك أنك مميز لاِقتناء تلك الماركة دونًا عن بقية أقرانك ومن حولك وأخيرًا انتقالك لمرحلة الاِستعباد، وهي ألا تستطيع أن تعيش بسيطًا بدون “عنطزة فارغة” كأن تحاول أن تظهر مفاتيح سيارتك بقدر ما تستطيع “علشان يقولوا ده معاه bmw” أو أن تحاول أن تظهر علامة التفاحة بقدر ما تستطيع على تليفونك المحمول “علشان يقولوا ده معاه apple” أو أن تستطيع بقدر الإمكان أن تظهر علامة الـ Nike التي على شيرت أو الحذاء “علشان يقولوا ده بيلبس ماركة” وكأن الأمر أصبح مفخرة بين الناس، وكأن قيمتنا تحددت فيما نملكه، وأصبحنا فقراء للغاية مع امتلاكنا لكثير من الأموال، فتعزز شعور التملك والجشع والشراهة داخلك فتشتري أشياء لا نحتاجها بأموال لا نملكها لنجذب اِهتمام أناس لا نحبهم “fight club film”

لمزج فكرة الإعلان والرسالة التسويقية أن هذه الماركة للخواص والصفوة من الناس ولأصحاب الذوات! وأن هذا المنتج قادر على خلق المستحيل .

تلعب الرسالة التسويقية على توصيل رسالة لا شعورية لك تجعلك مجبرًا على شراء المنتج حتى وإن لم تحتاجه فعليًا بالعاطفة والمشاعر والتكرار، المجتمعات السوية تعمل على تقليل حدة الشراهة الإنسانية بشكل أو بآخر يقول النبي صلي الله عليه وسلم: “حسب ابن آدم لقيمات” فيعمل النبي على إطفاء وقود الشراهة وحفظها لأولوية أخرى، أما الآن فأصبحت المجتمعات تقوم على رفع تلك الحدة لأسباب اقتصادية رأسمالية أو اجتماعية طبقية تملكية مريضة، وقد انتقلت من مستوى ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة نزعة الاستهلاك، وقد حذر من ذلك المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري (1938 – 2008) عندما أشار إلى أن طغيان النزعة الاستهلاكية في مجتمعاتنا النامية سيجعلنا “ملكًا لمن تكون له الغلبة في استعمار النفوس” بحضارته وثقافته.

كذلك من سياسات التسويق أنه يزرع ثقافة الاستهلاك لدى الإنسان بدون الحاجه لها كما قلنا، ربما أيها القارئ لك معارف أو أقارب ظلوا يكدون من جهدهم لشهور ليشتروا هاتفًا محمولاً غالي الثمن وهو لا يعرف الميزة التنافسية لذلك الهاتف والتي تفصله عن هاتف آخر أصلاً هو فقط اشتراه ليواكب العصر وليتجنب التهميش الاجتماعي والأممي ويتناسى أن هناك خطًا فاصلاً بين العمل لتحقيق الربح وبين السعي لفضيلة سد الحاجة أو استراتيجية الادخار، فقد كتب أرسطو في رسالته (علم الأخلاق) إلى نيقوماخوس قائلاً: “إن حياة كسب الأموال حياة نعيشها مرغمين، والثروة بالطبع ليست هي القيمة التي نسعى لتحقيقها، فالأموال مفيدة فحسب والغرض منها تحقيق شيء آخر” ، ويقول ابن قيم الجوزية رحمه الله: “وأما المطاعم والمشارب والملابس والمناكح فهي داخلة فيما يقيم الأبدان ويحفظها من الفساد والهلاك وفيما يعود ببقاء النوع الإنساني ليتم بذلك قوام الأجساد وحفظ النوع فيتحمل الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض ويقوى على حملها وأدائها، ويتمكن من شكر مولى الأنعام ومسديه”.

ولم تكتف تلك الثقافة على المجتمعات النامية المتهاوية فقط بل امتدت للمجتمعات الشمالية أيضًا حيث المجتمعات المادية البحتة .

ولكن لا يخفى علينا العامل الاقتصادي الذي يشكل الفرق بين مجتمع يستهلك ما ينتجه وبين مجتمع يستهلك ما ينتجه غيره؛ ففي الأولى تحصل التنمية الاقتصادية وبالثانية تحصل التبعية الاقتصادية.

يوم الجمعة الأسود هو مصطلح يعني يوم التسوق العالمي، نجحت الشركات الكبرى في استقطاب بل استعباد الشعوب من خلال ثقافة الاستهلاك وسهلوا لهم عن طريق الخصومات وغيرها من المثيرات فاستعبدوهم كما تشاهد في المشهد المصور أسفل المقال، أصبحت الشوارع في دول الشمال سببًا كافيًا لنمو الأمراض النفسية لتلك الشعوب من خلال شبح الاستهلاك والتملك والشراهة كما تشاهد في الصور، أتذكر تلك المحادثة التي دارت مع أمريكية سافرت لنزهة في بلد نامية لا أستطيع تذكر اسمها وبالأخص في منطقه شبه نائيه هادئة بعيدة عن صخب المدينة والشوارع المليئة بإعلانات المنتجات عندما قالت إن في بداية النزهة لم تكن الأمور علي ما يرام وكأنها تشعر أن أحدًا ينتزع منها جزءًا من حياتها ولكن بعد فترة وجيزة قالت: “الآن فقط أستطيع أن أشعر بالحرية وأن لا شيء يتملكني”

وفي النهاية لا يسعني إلا أن أقول: “أنت شريحة مستهدفة في دائرة مغلقة إن لم تعِ ذلك”

إليكم بعض المقتبسات من فيلم “fight club”:

-The things you own end up owning you.

الأشياء التي تملكها اِنتهى أمرها بتملكك .

-It’s only after we’ve lost everything that we’re free to do anything.

فقط عندما نخسر كل شيء نصبح أحرارًا لفعل أي شيء.

-You’re not your job. You’re not how much money you have in the bank. You’re not the car you drive. You’re not the contents of your wallet

أنت لست وظيفتك، أنت لست كم الأموال التي تملكها في البنك، أنت لست السيارة التي تقودها، أنت لست محتويات المحفظة.

-You are not special. You are not a beautiful or unique snowflake. You’re the same decaying organic matter as everything else.

أنت لست مميزًا أنت لست فريدًا من نوعك، أنت كغيرك مكون من مواد متحللة العضوية كأي شيء آخر.


  • 2

  • كريـم دسوقـي
    طالب بكلية اِدارة أعمال وكاتب ناشئ ورياضى , مُهتم بالقضايا الاِجتماعية والسياسية والعمل التسويقى الاِدارى
   نشر في 29 فبراير 2016 .

التعليقات

لميا عباس منذ 8 سنة
أعجبتني الفقرة الأخيرة، يكفي أن نعود لحجمنا الطبيعي...
0
كريـم دسوقـي
عُذرا؟ ما المقصود بحجمنا الطبيعي ؟
لميا عباس
أقصد أننا خلايا و نوايا، في النهاية نخضع لقانون المادة، مآلنا التراب و الفارق ما يضاف مع الروح.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا