إن كل من يرى هذا العنوان يظن لأول وهلة أنني سأعتذر لصاحب طالت عليّ غيبته ، أو حبيب استوحشت من فراقه ، أو عزيز شغلتني عنه الأيام.
لا والله ؛ ليس اعتذراي لهؤلاء ، إنما أعتذر لإلهي ومولاي ، الذي لا غنى لي عنه طرفة عين ولا أقل منها.
أعتذر إليك إلهي من كل ما جنته يداي في سالف الليالي والأيام ، والشهور والأعوام ، أعتذر إليك يوم أن ساقتني نفسي للشهوات فآثرتها عن جنتك وقدمتها على رضاك.
أعتذر إليك يوم أن خلوت بك في سواد الليل وهتكت الستور ، وواقعت الفجور ، ولم أستح من نظرك إليّ.
أعتذر إليك عن كل ليلة قامها القائمون ونمتها ، وعن كل معصية تركها الصالحون واقترفتها.
أعتذر إليك عن كل عمل زعمت أنه لك خالصا وخالطه ما تعلم ، أعتذر إليك عن كل نعمة أسديتها إليّ ، وكان حقها عليّ الشكر ؛ فتجرأت بها عليك.
أعتذر إليك عن كل لحظة عصيتك فيها وتجرأت عليك ، ولم أستشعر فيها عظمتك وأنت على عرشك ترقبني.
أعتذر إليك عن كل كلمة قلتها ولم أُرِد بها وجهك ؛ فرقت بها بين الأحبة ونهشت بها أعراض المسلمين.
أعتذر إليك عن دموع سالت على الخد لم تكن صادقة ، ووعود أخذتها على نفسي فكانت كاذبة ؛ فغدرتُ في عهدي وكنت عليّ حليما ، وكذبتُ وكنتَ بي برا رحيما.
أعتذر إليك يوم أن ضاقت عليّ الدنيا بما رحبت ، وضاقت عليّ نفسي فأُوصدت في وجهها الأبواب ؛ فقصدت الصاحب فخذلني ، ولذت بالقريب فشتمني ، فرحت في سواد الليل أصرخ ، وتحت أمواجه المتلاطمة أستغيث ؛ فقربتني حين أبعدني الناس ، وآويتني حين شردني العباد ، ثم بعد أن اتسع المضيق ، وفُتحت الأبواب ؛ رحت في سواد الليل ذاته ، وتحت تلك الأمواج ذاتها أهتك الستور ، وآتي الفجور.
فصرخ فيّ سواد الليل ، ونادتني أمواجه : ألستَ المستغيث بربك البارحة من همومك وأحزانك ماذا دهاك ؟! أما تستحي وهو يراقبك ويراك ؟!
" هل جزاء الإحسان إلا الإحسان "
أعتذر إليك إلهي يوم أن سألتك فأعطيتني ، ورفعت إليك حاجتي فلم تخذلني ، وقصدت بابك فلم تطردني ، ثم بعدها ناديتني فلم أسمع لك ، وتقربت إليّ وفررت أنا منك.
أعتذر إليك ولازلت أذكر تلك اللحظات التي خرجت فيها هائما على وجهي أبحثُ عن شعاع أمل أتعلق به ، وعن رائحة فرج ألوذ بها ، وضاقت عليّ نفسي ؛ فرحت أبكي ، فسمعني أبي ، وسمعتني أمي ، فجاءت مسرعة لتمسح دمعي ، ووضع أبي يده على جسدي ليسكن ألمي.
وهدأت بعد فزع ، وسكنت بعد هياج ، لكن لم يبدد ما بداخلي من هم ، ولم يذهب ما جثم على الصدر من غم سواك ؛ ثم بعد ذلك ؛ بعد أن فرجت عني ، وأذهبت همي وغمي ؛ نسيت تلك اللحظات التي عشتها ، فخرجت هائما على وجهي أتبع نظري الحرام ، وأسمع الحرام ، وأتلذذ بالغفلة عنك والإعراض ، ونسيت أنك يا رب لي بالمرصاد.
أعتذر إليك يوم أن حلفتُ أني أحبك ثم تجرأت عليك في خلوتي ، أعتذر إليك يوم أن زعمت أن الشيطان عدوي وصالحته ، أعتذر إليك يوم أن زعمت حب محمد وتركت سنته ، أعتذر إليك مولاي وأبكي ولا حيلة لي سوى البكاء.
إلهــي :
أسأتُ ولم أحسن الاعتذار ، وجئت أمد يديّ في الأسحار ، ووقفت على الباب راجيا الغفران ، وأقسمت ألا أبرح الباب حتى تمحوَ الأوزار ، وتتجاوز عن الخطايا والأثام.
إلهــي :
لا أطيق العيش بعيدا عن بابك ، ولا شاردا عن جنابك ، وقد جئتك اليوم معتذرا ، ووقفت على بابك منكسرا.
إلهــي :
كيف ألتذ بعيشي وأنت عليّ غاضب ؟!!
أعتذر إليك إلهي إعتذار من أوبقته عيوبه ، وأرَّقته في الخلوة ذنوبه.
يـا رب :
من لي سواك للمضطر عونا ** إذا نزلت به الكُرب العظام !
وقفت ببـاب رحمتك ابتهــالا ** وفاض الدمع وانقطع الكلام.
علمـتُ بأنــك الغفـــار ربـي ** ومن رُحــــماك ينهـــمر الغمـام.
فـإن تغفر وترحم يا إلهــي ** فليس يضير إن غضب الأنام.
إلهــي :
هذه دموع الندم على خدي جارية ، وزفرات ألم كانت بين الجوانح ساكنة ، بثثتها إليك ، وأنزلتها بك ؛ فارحم ذلي وضعفي بين يديك ، وأنه لا حول ولا قوة إلا بك.
وأخيــرا :
أما آن لهذا الشارد عن باب مولاه أن يرجع ويعتذر ؟
أما آن للمتجرأ على الله في الخلوات أن يعود ويعتذر ؟
أما آن للمستخف بنظر الله إليه وهو يعصي أن يعود ويعتذر ؟
أما آن لآكل الربا أن يعتذر ؟
أما آن لتلك المتبرجة الكاسية العارية أن تتوب وتعتذر ؟
أما آن للنائم عن الصلاة أن يتوب ويعتذر ؟
أما آن للناظر إلى الحرام أن يعتذر ؟
أما وإني قد اعتذرت لمولاي مما جنته يداي ، واعترفت بذنوبي وخطاياي ، وأقسمت ألا أعود إليها إلى يوم ألقاه.
" وستذكرون يا هؤلاء ما أقول لكم وأفوض أمري إلي الله. "
وكتبه :
الراجي عفو ربه.
-
السيد الأميرإذا لم تستطع شيئا فدعه ** وجاوزه إلى ما تستطيع. ^^