أعمارنا لاتقاس بالسنين وإنما بهذه "المطلوبات" الثلاث:
المطلوب الأول: ما قدَّمنا لأنفسنا يوم الحساب (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون).
المطلوب الثاني: ما حقَّقْنا من مطامح دنيوية مشروعة (ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسِنْ...).
المطلوب الثالث: بما راكمنا من تجارب في الحياة.
قال لقمان لولده : شيئان إذا حفظتهما لا تُبالي بما ضيَّعت بعدهما، دِرهمك لمعاشك ودينك لمعادك.
بالنسبة للمطلوب الأول:
فهل يستوي الشاب الذي صحيفته ملأى بالأعمال الصالحات، والحسنات
مع
الكهل الذي صحيفته ملأى بالموبقات والسيآت؟
فالشاب أكبر من الكهل...!!.
نعم:
سيقول الأول مسرورا: "هاؤم اقرؤوا كتابيه..." ويقول الثاني في حسرة:"ياليتني قدمت لحياتي..."
فهل تقاس أعمارنا بالسنين...!!
وبالنسبة المطلوب لثاني:
فهل يستوي الشاب الذي حقق أهم مطامح دنياه المشروعة (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب) [آل عمران : 14]
مع
الكهل الذي ما زال في شِراك الدنيا الغرّارة لاهِثا وراء ملَذّاتها الفانية، يريد أن يحَصِّل منها ضرورياتها...!!
فالشاب أكبر من الكهل...!!
نعم:
سيكون الأول في أعين الناس أكبر شأنا وكلمة، وأرقى مكانة، فـــ :
حتى الكلاب إذا رأت رِجْل الغنى *** حنَّت إليه وحرَّكت أذنابها
وإذا رأت يوما فقيرا ماشيا ***نبحت عليه وكـــــــشَّرت أنيابــــــها
وسيكون الثاني في دَرَك سُلَّم التصنيف، إن قال لم يسمع لقوله أحد، وإن غاب ما افتقد، وإن حضر لم يُفسَح له في المجلس، وإن أشار برأي أخطأ وإن كان كلامه عين الصواب... وكان كما قيل:
إذا قلَّ مال المرء قلَّ حياؤهُ *** وضاقت عليه أرضه وسماؤهُ
فهل تقاس أعمارنا بالسنين...!!
وبالنسبة للمطلوب الأخير:
فالتجارب في الحياة أعمار تضاف إلى أعمارنا:
فهل يستوي الذي خبِر الحياة ودروبَها، وجال البلدان وطاف الأمصار، وتعرف إلى شعوب وقبائل وحضارات وثقافات...
مع
الذي لم يفارق البادية يوما، ولم يعرف سوى غنمه وحرثه.
إن التجارب كما يقول المتنبي:
إذا اعتادَ الفَتى خوْضَ المَنايا (الأحداث الجسام) *** فأهْوَنُ ما يَمُرّ بهِ الوُحُولُ (طين مبلل)
فهل تقاس أعمارنا بالسنين...!!
التعليقات
حقا استاذى الفاضل مصطفي
مقالا هادف و يطرح معادلة على كلنا منا العمل بمقتضاها
لك منى جزيل الشكر والتقدير اخي مصطفي