بعدَ أصواتٍ هائلةٍ بصداها ...
الظلامُ المتكاثرُ في كلِّ مكانٍ هنا ....
الهدوءُ المخيّمُ على كلِّ الأرجاءِ بعدَ هديرِ السياراتِ الهاربةِ ...
خطواتٌ سريعةُ تحركَت بها قدماي ,قد تكونُ هرولةً أو ركضاً ,
لم أستطع لحظتها تحديدُ ما إذا كنتُ راكضاً أم مهرولاً ...
كلُّ ما أستطيعُ تذكره هو أنَّ أمي وقفَت على بابِ الدارِ مناديةً لي ,من خوفها أن أبقى هنا ولا أذهب ...
وصلتُ إلى ذلكَ المكانِ الذي أحبّه ,والذي قد لا أحبذه هذه الأيام ,,,
الحمد لله ...
لا شيء ....
فرحةٌ متوسطةُ الحجمِ أَلمَّت بنفسي ,الكثيرُ من الأصدقاءِ كانوا موجودين هنا ,تبادلنا السلامَ بعدَ طولِ وقتٍ لم نتقابل فيهِ ....
وبعد أحاديثٍ قصيرةِ المدى ,صوتُ هائلٌ آخر وكأنّه في نفسِ المكانِ الذي نحنُ فيهِ ,,,ما هذا بحقِ الله ...انفجارٌ هائلٌ ....
سياراتُ الإسعافِ تهافَتت على المكانِ وبدأَت تجلبُ قطعاً من اللحمِ ...بشراً ..مقطعةَ الأشلاءِ ...الله أكبر ....وآهٍ وألفُ آهٍ ...
بالكادِ قد أفلتنا من الحزنِ لبضعِ دقائقٍ , لنعودَ لمصيدةِ الدماءِ ...
بسرعةٍ تطايرنا كفقاعاتِ الصابونِ لغرفِ العملياتِ , نبحثُ عمّن نقدم لهُ ما نستطيعُ لإنقاذِ حياتهِ ,لكن هيهات ....فما شاهدته بقايا أرواحٍ في أجسادٍ صغيرةٍ تأبى إلّا الاستشهاد ....ثقوبٌ كبيرةٌ في الصدرِ والبطنِ ....
لغةُ الدماءِ التي تبادلتَ معها صمتي مازالت إلى الآن تكلمني وتسأل ...
ما ذنبي إن كنتُ صغيراً وطفلاً أن أدفعَ ثمنَ وجودي بمكانٍ ما على أرضِ الوطنِ.... حياتي ودمي ...؟؟؟؟
مشهدُ الدماءِ لهؤلاءِ الأطفالِ كانَ مستعصياً على الاعتقالِ بالرسمِ بالحروفِ أو حتّى الكتابةِ ....
حاولتُ الاقتراضَ من أحرفِ اللغةِ بعضها لأكتب, لكنها أبَت كما العالمُ كلّهُ الآنَ يأبى أن يرى ما يجري في ربوعِ كانت تسمى بلادي والآن قد تحوّلَ بعضها لأطلال ....
كوضوحِ الشمسِ مازلنا نعيشُ ونتنفسُ الهواءَ ,رغمَ من بادلنا الكلمةَ بالصمتِ أو بالحرابِ أو بالرصاصِ ...
بدأنا ننسى ...التفاصيلَ والملامحَ والعلاماتِ الفارقةِ لكلِّ شيءٍ ...
ولا نتذكرُ إلّا ذاكرتنا المثقوبةَ التّي لن تنسى أنّنا لم ننسى أحداً في يومٍ ما ....
ومعكم أيّها الأطفالُ المتجمدون بدمائكم ,صارَ بوسعي أن أسمعَ موسيقا قلبي ...
-
حسان الضويحيلا أحمل معي إلا كلماتي..... وابتسامه....... وشيء جميل ..... يدعى الأمل....