مؤسس إيكيا .. من بائع للثقاب إلي 65 مليار دولار
"مالك إيكيا " الرجل الذي أصبحت قصة حياته مصدراً لإلهام الجميع
نشر في 01 غشت 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
"خلق حياة يومية أفضل للكثير من الناس"
لم أتحمس للكتابة عن شئ بقدر ما شعرت به اليوم وأنا أكتب عن أحد أهم الشركات في صناعة الآثاث في العالم إن لم تكن أهمها ؛ شركة "ايكيا" أسسها رجل سويدي يدعي "إينغفار كامبراد" الذي يعتبر رابع أغني رجل في العالم وأغني رجال أوروبا حالياً بثروة تتعدي الـ65 مليار دولار طبقاً لتصنيف قائمة فوربس عام 2014 .
إذاً كيف بدأت القصة ؟ كيف بدأ شاب يبيع أعواد الثقاب "الكبريت" إلي هذا النجاح الذي أدهشني شخصياً ؟
من أسرة ألمانية تعيش في أحد المزارع لوينغبي بالسويد ولد كامبراد ، انتحر جده بسبب انعدام مقدرته علي سد دين مزرعته، كانت البيئة السويدية في هذا الوقت بالتحديد قاسية لأبعد الحدود ، فالبلد كانت زراعية وتعاني الفقر المدقع والتقشف لكن قدر المساواة في العمل والتعاون بينهم كان الأمل المتبقي لهم في بناء عائلتهم مع مرور الزمن .
تميز كامبراد بشخصية ذكية عندما تعلم قيمة الإدخار من سن الخامسة، وعلى الرغم من أنه نشأ في أسرة عانت الكثير من اللحظات السيئة، كان مصاب بمرض "الدسلكسيا"، وهو إضطراب تعلمي يتضح بشكل أساسي كصعوبة في القراءة والهجاء.
عُرف عنه هوسه بالاقتصاد وحبه الشديد للكسب والرزق، عندما بلغ سن العاشرة كان يستقل دراجته كل يوم ويذهب لمدينة ستوكهولم ويشتري أعواد الثقاب بأسعار زهيدة جداً؛ ثم يعود بها إلي المزرعة ويبيعاها لجيرانه بأسعار منخفضة ويحصل علي ربح جيد ، وبدأ التوسع رويداً رويداً حتي بدأ نشاطه في بيع الأسماك ونباتات الزينة والبذور والحبوب وأقلام الرصاص؛ وفي سن الـ 17 أعطاه والده جائزة نقدية لتفوقه في الدراسة .
استوحى اسم "IKEA" اختصاراً لعبارة "INGVAR Kamprad from Elmtaryd, Agunnaryd"من خلال الحرف الأولى لإسمه "Ingvar_Kampard" واسم مزرعة والديه "Elmtaryd" واسم بلدته التي عاش فيها "Agunnaryd"، كتعبيراً عن ارتباطه الشديد بالمكان الذي عاش فيه فترة صباه .
أسس شركته علي طاولة مطبخ بيته عام 1943 ، وأضحي عمله مرتبط بشكل أساسي بالمراسلات وسع نشاطه في الخمسينيات عن طريق تصنيع الأدوات المنزلية الخفيفة كالمكاتب والطاولات والكراسي واطارات الصور وغيرها بأسعار منخفضة جداً، وبدأ في استخدام الشاحنات في نقل بضائعه وقررالتخصص في الأثاث، فبدأ بجلب أثاث محلي الصنع، ينتجه صناع محليين من خشب الغابات القريبة من منزله.
مع مرور الوقت؛ إنتشرت فكرته بين الناس وتمكن من تعيين أول موظف في شركته عام 1943 واستطاع أن يقتصد في شركته عن طريق تقليل التكاليف بإنتاج المفروشات والأقمشة الخاصة به؛ وساعده الكثير من الشباب في نشر علامته التجارية وأطلق كتالوج خاص بمنتجاته واحتفت شمال أوروبا والسويد بالكثير من صالات العرض التي تعرض منتجاته بأسعار مزهلة ! .
وفي الوقت التي زادت فيه حدة المنافسة مع الشركات الأخري، فكر كامبرد في أن يكون لديه مقر خاص به لكي يتمكن الزبائن من رؤية منتجاته بطريقة مباشرة قبل عملية الشراء، لأنه في السابق كان يعتمد علي طلبيات يُكلف بها ، لكن كان تجار الآثاث لهم رأي آخر ، فحاربوا شركة إيكا لأنها قريبة من الفقراء وقاموا بالتحالف ضدها وأصّروا علي أن يقطعوا عنها كل السُبل، ومنها تهديد المورودين الذين يمنحون إيكيا المواد الخام لعملية التصنيع .
لجأ كامبرد إلي حيل عجيبة وغريبة في الحصول علي المواد الخام؛ منها التخفي وقت أن تكون الأرض قد عريت من الطرائق وفي جنح الظلام ، فالشركة كانت تكبر وكان يحتاج الكثير من المواد الخام ، وقتها سافر إلي بولندا وفتح أسواق جديدة في الولايات المتحدة وأوروبا ، فطبيعة الأسواق تختلف فيهما عن السويد ، وبدأ في عمل أول مطعم لسلسلته وأثار دهشته فكرة الطعام المعلب فخطر في باله فكرة وهي أن يعد الآثاث في معلبات بأسعار زهيدة كالطعام تماماً .
كانت كل يوم جديد في حياة إيكيا يمثل سطر جديد في قصة نجاحها بل كان كل عام يمر عليها بمثابة ميلاد جديد لفرع من فروعها حول العالم ؛ بدأت في التوسع خارج السويد في الدانمارك وفي النرويج حتي غطت كل دول اسكندنافيا ، ثم في سويسرا عام 1973م، وألمانيا عام 1974م، حتي غزت أمريكا الشمالية ففتحت أول فرع لها في كندا عام 1976م، وفي أستراليا عام 1977م، حتى وصلت إلى أقاصي الشرق والغرب، في امبراطورية لصناعة الآثاث مترامية الأطراف ، حتي أنه عندما إفتتحت «إيكيا» في «شنغاهاي» زار المتجر 80000 شخص.
إيكيا الآن أضخم وأهم شركة أثاث في العالم، حيث توجد في أكثر من 40 دولة ولديها ما يفوق 300 فرع واللافت في الأمر أنه لم يقترض أموالاً أبداً طيلة سيرته ولم يفكر قط في طرح أسهم لشركته ، استطاعت الشركة أن تغزو اليابان والصين وأعتي قلاع الصناعة في العالم في بريطانيا وايطاليا وتركيا وتوسعت الشركة في سوق الأطفال وأسست شركة خصيصاً نالت شهرة واسعة .
في عام 2013، استقال انغفار كامبراد من مجلس إيكيا وتم تنصيب إبنه الأصغر ماتياس كامبراد رئيساً للشركة بعد قراره بالتنحي، يقول كامبرد الذي تجاوز عمره 87 عاما ، "أرى أن هذا هو الوقت المناسب بالنسبة لي لمغادرة مجلس إدارة مجموعة ايكيا. وقد قمنا قبل سنوات بتمكين أجيال جديدة . "ماتياس وأخويه الأكبر سناً، الذين لديهم أيضاً أدوار قيادية في إيكيا، وهم يعملون وفق الرؤية الشاملة للمؤسسة لتحقيق الإستراتيجية طويلة الأجل .
ملامح في حياة كامبرد
علي الرغم من ثروة كامبرد الضخمة إلا أنه كان إقتصادياً من الطراز الأول فلم يعرف عنه أبداً أي إسراف فهو لديه سيارة Volvo 240 موديل 1993م، ويطلب من موظفيه في أن يكتبوا على الورق من الجهتين للتوفير، يعيش حالياً في مدينة Epalinges السويسرية بجوار أمواله منذ السبعينيات، عُرف هوسه بكل ما هو اقتصادي فكان يتناول الوجبات الرخيصة في المطاعم وعند سفره يستقل في الطائرة الدرجة الاقتصادية .
الملهم بالنسبة لي في هذه القصة هو التقارب الشديد بين هذه التجربة ومدينة دمياط المصرية ، فالتحول من المجتمع الزراعي إلي المجتمع الصناعي كان متقارباً إلي حد بعيد مع هذه القرية ، واعتماد كامبرد ومنافسيه علي ترشيد التكاليف كان العالم الأول في نجاح شركته مع مرور الوقت واستطاع أن يعرف من أين تأكل الكتف، علي عكس الحال في المدينة المصرية ، وإذا أخنا في الإعتبار الدور المحايد الذي اتخذته السويد في الحرب العالمية الثانية كان أحد العوامل في قوة الدولة السويدة، فعلي حد علمي أن السويد لم تحارب منذ 150 عام ، وتعدد الموارد لهذه الدولة والتخطيط الجيد للشركة ، كل هذه عوامل هامة ساعدت كامبرد في ريادته .
المدينة المصرية تحتاج إلي تحول ريادي والتفكير خارج الاطار ولكن قبل هذا كله هي في أمس الحاجة إلي النظر إليها كمشروع قومي ستستفاد مصر منه إلي أبعد الحدود .
-
محمد الكُتبيباحث اقتصادي لدي الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا مؤسس اقتصاديات ومهتم بمجالات الاقتصاد أشاركك معلومة اقتصادية قد تكون جديدة بالنسبة لك.