زوجات الأمس.. وزوجات اليوم - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

زوجات الأمس.. وزوجات اليوم

أ. بسـام أبو عليان

  نشر في 29 ديسمبر 2015 .

التغير سنّة كونية، وقد طال التغير الاجتماعي كل مظهر من مظاهر حياتنا، ومن بين النظم الاجتماعية التي طرأ عليها تغيرات كبيرة النظام الأسري في نسق الزواج.

إذا عقدنا مقارنة بين زوجات الأمس وزوجات اليوم سنجد بوناً شاسعاً بين النموذجين. في هذه المقالة سنعرض بعضاً من وجوه الاختلاف بينهما.

سن الزواج: الفتاة سابقاً كانت تزوج مبكراً في الفئة العمرية (13-18) عاماً، ورغم صغر هذا السن كانت الزوجة تعرف واجباتها والتزاماتها الزوجية مقابل ضحالة معلومات وخجل في المطالبة بحقوقها الزوجية. وكانت الزوجة تنجب كثيراً، حيث يتراوح عددهم بين (5-10) أفراد. وتصل إلى سن اليأس وهي بكامل قوتها الجسدية ولم يصبها أياً من مظاهر الوهن والإعياء والضعف الجسدي "الظاهر البيّن". بينما فتيات اليوم يزوجن في الغالب بعد التخرج من الجامعة، أي الزوجة تكون قد حصلت على قسط كاف من التعليم، ـ من باب محاربة الزواج المبكر لما له من أضرار اجتماعية ونفسية وصحية على الفتاة، ومن باب المحافظة على حق المرأة في التعليم ـ. لكن هذه المتعلمة لديها معلومات مشوهة ومشوشة فيما يتعلق بحقوقها وواجباتها الزوجية بفعل التأثير السلبي لوسائل الإعلام المختلفة، وتراجع دور الأم في إعداد ابنتها جيداً للحياة الزوجية. مهما حصلت الفتاة على تعليم عالي فهذا لا يغني عن توجيهات الأم لتهيئة البنت لاستقبال محطة اجتماعية جديدة في حياتها (الزواج وتكوين أسرة). وفيما يتعلق بمسألة الإنجاب تفضل زوجة اليوم الأسرة الصغيرة، فيتراوح عدد ولاداتها بين (3-6) فرداً.

الحمل: الزوجة في السابق كان حملها وولاداتها تباعاً ما أن تطهر من نفاس الميلاد الأول حتى تتبعه بحمل آخر، ـ أي لم يكن هناك تباعد للولادات، هذا راجع لاعتقاد اجتماعي بأن كثرة الأولاد يمثل عزوة وسند للأسرة وقت الشدة ـ، ورغم كثرة الولادات المتتابعة لم تكن تسمع منهن شكاوى وأنات، ولا يزرن العيادات وأطباء النساء والولادة إلا للضرورة وفي الحالات المستعصية. وإن شكت الزوجة من علة تكتفي بوصفة شعبية من الأم أو الجدة أو الداية، وقد كانت الوصفة تؤدي غرضها. وعند الميلاد كما تقول الجدات والمسنات، إحداهن أتاها المخاض وولدت وهي تحصد (أي في الحقل)، والثانية عند النبع وهي تعبئ الجرة بالماء، والثالثة عند الفرن (فرن الطينة) وهي تخبز، والرابعة وهي تغسل، والخامسة وهي تحلب البقرة، والسادسة وهي تغزل... إلخ. بينما زوجات اليوم منذ علمها بالحمل حتى يوم الميلاد وهي توقع حضور شبه يومي عند الأطباء ـ بين عيادات حكومية وخاصة ـ بسبب الشكوى التي لا تتوقف من متاعب الحمل، ومع كل حمل تخلع أو تحشو سناً أو أكثر، وما أن تصل إلى الحمل الخامس تكون أسنانها موزعة بين مخلوعة، ومحشوة، ومستبدلة... إلخ. وعند الميلاد كل الحي يسمع صرخات المخاض، وتذهب وتأتي إلى عيادة الولادة ما لا يقل عن خمس مرات، ويتبين أن موعد الحمل لم يأت بعد. زوجة اليوم تفضل تباعد الولادات ـ من باب تنظيم النسل والحفاظ على بنيتها الجسدية وحالتها الصحية ـ، رغم ذلك ما أن تصل إلى الحمل الثالث أو الرابع تجدها منهكة القوى وببنيتها جسدية هشة.

تربية الأولاد: الأمهات السابقات على جهلهن أو عدم حصولهن على التعليم الجامعي تجدهن أحسنَّ تربية أولادهن وأعددن جيلاً شديداً قوياً يستطيع مواجهة المصاعب والمتاعب الحياتية، ويجيد التعامل مع المواقف الاجتماعية المختلفة، وقد غرسن فيهم منظومة من القيم الاجتماعية والدينية والأخلاقيات الحسنة. بينما أمهات اليوم تجد الغالبية منهن فشلن في تربية الأبناء التربية الصالحة التي تعينهم على مواجهة الصعاب والمواقف الاجتماعية، وأغلب تربيتهن تقوم على الخلاعة من باب تعليم الأبناء الاستقلالية والاعتماد على الذات، ومحاربة العنف الأسري، وتوفير أجواء الديمقراطية والحوار الأسري. فلا تعلم الأبناء الاستقلال والديمقراطية بالمعنى الصحيح، ولا تعلموا بأسلوب الشدة. فأوجدت هذه التربية جيلاً مسخاً مائعاً ـ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ـ.

طاعة الزوج: الزوجة في السابق كانت تقدس زوجها وتحترمه من باب تقديس واحترام الرابطة الزوجية، وتعمل كل جهدها لتنال رضاه، وتوزن كلماتها عند الحديث معه، وتكون له نعم السند والعون وقت الشدة والأزمات، وتحافظ على أسرار البيت، ـ رغم أن زوجها قد يسيء لها، لكنها تكون حريصة ألا تسيء له أو تذكره بسوء أمام الآخرين ـ، ولا تناديه إلا بأحب الأسماء إليه. أما زوجات اليوم على النقيض تماماً كأن الواحدة منهن في صراع مستمر مع الزوج، هدفها الإبداع والتفنن في اختيار أساليب التنغيص على الزوج بشكل شبه يومي. طالما الزوج في وضع اقتصادي مريح فهو نعم الزوج والحبيب، وإن مر بضائقة مالية تلجأ لكفران العشير وتنسى ما كن من فضل، وتبدأ تندب حظها التعيس، ولا تستطيع تحمل ضائقته المالية. بعض الزوجات لا يحسنَّ اختيار الكلمات لمواساة الزوج وقت شدته، فضلاً عن انتهاك حرمة أسرار البيوت فهي متداولة في الجلسات النسائية الوجاهية أو الهاتفية، أو عبر الدردشة الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.

الجدير بالذكر، تبين من خلال الملاحظة أن الزوجات ذوات التعليم دون الجامعي أكثر طاعة لأزواجهن من الجامعيات. لكن أولادهن أدنى في التحصيل الدراسي. في هذه الحالة الزوج بين خيارين كلاهما مُر: إما أن يتحمل تعنت الزوجة المتعلمة ويضمن مستوى جيد للتحصيل الدراسي لأبنائه. أو يقبل بزوجة ذات تعليم دون الجامعي ليريح خاطره، مقابل أن يرهق جيبه ليوفر لأولاده مدرساً خصوصياً كي يتحسن تحصيلهم الدراسي.

ترتيب ونظافة البيت: الزوجة في السابق كانت تصحو من أذان الفجر فتؤدي الصلاة على وقتها، ثم تعد طعام الإفطار، وبعدها تبدأ بأداء واجباتها المنزلية من ترتيب الفراش، مروراً بالعجين، والغسيل، وجلي الأواني وما يتبعها من مهمات أخرى، ما أن تصل الساعة التاسعة أو العاشرة صباحاً تكون قد أنهت كافة الأعمال المنزلية. لذلك تجدهن يشعرن ببركة الوقت، ولديهن متسع من الوقت. أما زوجات اليوم تبدأ الزوجة بفرك عينيها بين الساعة الثامنة والعاشرة صباحاً، وإن صحت في يوم ما الساعة السابعة صباحاً فهي تعتبر نفسها من المبكرات. على أية حال، ما بين وقت الاستيقاظ وإعداد طعام الإفطار، ومتابعة حساب "الفيس بوك" وتقليب القنوات الفضائية (الوِرد اليومي)، تكون الساعة قد شارفت على العاشرة، وإلى تلك اللحظة لم تكن قد أنجزت شيئاً من الواجبات البيتية. لذلك تجد غالبية زوجات اليوم يتذمرن كثيراً ويكثرن الشكوى من ضيق الوقت الذي لم يسعفهن في إنجاز واجباتهن المنزلية. ونسين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهمَ باركْ لأمتي في بكورِها" [سنن الترمذي: 1212].

الطهي والطبخ: زوجات الأمس كن يطبخن بالحب والمشاعر ولديهن مهارة ونفس طيب في الطهي حتى وإن أعددن مجرد بيضة مقلية. أما زوجات اليوم يطبخن بنفس "الشيف" فلان، تجد أكلاتهن خالية من المشاعر الدافئة؛ لأنهن يطبخن بمقادير الطباخين، عين في دفتر المقادير، والعين الأخرى في الإناء. بالتالي تجد الطعام جاف خالي من المشاعر، رغم أنهن يبذلن جهداً كبيراً كي تنجح الوصفة "الشيفية". فضلاً عن إسرافهن في استخدام الزيوت والتوابل، أو السكر والسمن ـ في حال الحلويات ـ الذي يجر مشكلات صحية كثيرة.

بقي أن أشير أن الكلام السابق ليس أحكاماً مطلقة، إنما هو قول نسبي يصدق على الأغلبية وليس على الكل.




  • د. بسام أبو عليان
    محاضر في قسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى. محاضر سابق في جامعات: (الأزهر، والقدس المفتوحة، والأمة للتعليم المفتوح، وكلية المجتمع). مدرب في مجال التنمية البشرية.
   نشر في 29 ديسمبر 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا