خُلقنا في هذه الحياة من غير إرادة منا....خُلقنا في ظروف وأزمنة لم نختر أن نكن جزءاً منها.....خُلقنا لأن الله قد شاء وأراد ....وما أمره إذا أراد إلا بين الكاف والنون...
لكن عالمنا اليوم ليس كما الأمس ....فهو مليء بالشك والظنون....والمس والجنون.....
نعيش في دوامة لا ندري أين نحن منها....تتلاعب بنا الأحداث وتتلاطمنا أمواج الحياة بمدها وجزرها.....
فمالحق وما الباطل....ما الخير وما الشر.…مالصحيح وما الخاطئ…
اختلطت علينا الأمور …فأصبحنا كمن على أبصارهم غشاوة....وعلى قلوبهم ستارة…
نقف في منتصف الطريق …لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء....
نقف كمن لا حول له ولا قوة…
لكن الزمن لا يتوقف والحياة لا تهدأ....بل تزداد ضرباتها يوماً بعد آخر....وتشتد قبضتها لحظةً بعد أخرى…حتى نسقط أمامها عاجزين خائبين…خاسرين مخذولين…
نسقط وتتكالب علينا نوائب الدهر …تنهشنا بأنيابها ومخالبها …وتتركنا جيفة نتنة تتسلى بها ضباع الأرض وجوارح السماء…
نسقط في أحلك اللحظات وأشدها ظلمة.…نسقط في ظلمات جبٍّ عميق …حيث لا سامع ولا مجيب ....ولا صديق حبيب ....
نسقط…فلا بيت دافي…ولا حضن حاني…
نسقط وتسود الدنيابأعيننا …حتى يبلغ منا اليأس منتهاه .…وينجح ابليس في مسعاه…
فيأتينا بأجمل صورة …وأودع حال... يأتينا في أضعف أضعف حالاتنا... .ليصطادنا بكلامه المعسول ..وشركه الملعون ..وقصده المسموم…
فما أسهله من صيد ....وما أبشعه من كيد…
نعلق في شباكه الخفية....ونسير خلفه بلا هوية....وتُكبل عقولنا بسلاسل شيطانية…
نغوص أكثر فأكثر في بحر ظلمات لا قعر له …ولا حد له…
لكن صوت ما …من مكان ما…ينادي من بعيد…
ينادي… يابن آدم كفاك بعداً وضياعاً…كفاك يأساً وكفراناً…
ينادي…يابن آدم ما خلقتك عبثاً…وما أوجدتك لهواً ولعباً…
ينادي…يابن آدم إن هو إلا عدو مبين…فاحذر هذا اللعين…
يابن آدم …يابن…يا………
وما ليبث الصوت يخفت رويداً رويدا…فضجيج الوساوس يطغى من جديد …ويضرب أسواراً من حديد…
ونظل نصارع أنفسنا سراً …ونحنُّ إلى العهد القديم…والطريق القويم…
نكابد مرارة العيش بين ما كنا عليه …وما صرنا إليه…
ويعود الصوت من جديد…لكنه هذه المرة ليس من مكان بعيد…وكأنما يخرج من أعماق أعماقنا…حيث لا تزال بقايا خير منثورة في زوايا قلوبنا…وثنايا أرواحنا…
نسمع …ونسمع …ولكن …على قلوب أقفالها…
تمضي بنا الأيام …وتحركنا تموجات الأزمان…ونحن في شرود وهذيان…
نمضي والبعد يقتلنا …والغربة تكوينا…حتى نخر ساجدين …يارب…يارب…
نخر والدموع تغمرنا…فما عاد للروح ملاذ…ولا للفؤاد مرسى…سوى شاطئ التوبة والإنابة …
نخر حتى تعود تلك المضغة لخالقها…وتلك النفس لباريها……
نخر ليرجع القلب عندها مشكاة بيضاء…وشعلة وضّاء…
عندها يا حبذا الوداع…ويامرحباً بالفراق…
وعندها فقط …يحلو اللقاء……
- 1
-
التعليقات
لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... ! تابعنا على الفيسبوك
مقالات شيقة ننصح بقراءتها !
مقالات مرتبطة بنفس القسم
ما بين التثقيف والتصفيق فى الجمهورية الجديدة!
دائماً ما كانت «الأنظمة» تستخدم «المثقفين» للترويج لأعمالها ومشروعاتها(هذا إن افترضنا أن هذا النظام يمتلك مشروع بالفعل)، ولكن فى الماضي كانت هناك أنظمة «عاقلة» ومثقفين «موهبين» قادرين على الحفاظ على الحد الأدنى من «الاحترام» والمعقولية فى «الطرح» و فى مستوى
