هيا يا "مريم" افتحي لي الباب.....
فتحت "مريم" باب غرفتها، ثم اقتربت منها صديقتها "زينب"
"زينب": ما هذا الاختفاء يا "مريم" لمَ لا تجيبين على هاتفك، ولا تذهبين إلى العمل ، الجريدة لم تضع أشعارك منذ شهر.
"مريم": قلبي يؤلمني يا صديقتي، أشعر وكأني في عالم آخر وكأني أعيش في جحيم مختلف.
اقتربت "زينب" من "مريم" ثم احتضنتها وقالت لها: ما بكِ يا حبيبتي لما كل هذا الحزن.
"مريم": رحل عني في "نوفمبر" .... عائلته يريدون تزويجه بفتاة أخرى بسبب إصابتي بمرض السكري.
"زينب": ولكن! ما بك يا "مريم" فترة تعارفكما لم تكن بالطويلة لتتعلقي به لهذه الدرجة، يا إلهي حب الشعراء مميت تبا لقلبك وقلب كل كاتب وشاعر، حيثُ أن مرارة الفراق لم ولن ترحمكم.
"مريم": لا يقاس الوجع بمدة الوقت، هناك لحظة واحدة فقط قد تمرين بها تقلب كيانك وتميتك وتحيك، ثم وقفت "مريم" أمام المرآة قائلة:
لماذا يا "نوفمبر" ....... لماذا يا عزيزي
لمَ جعلت كل الأصوات التي أسمعها الآن تشبه صوت خرير الرياح، وكأني وحدي في هذا العالم.
ما بال الأشياء أصبحت بلا معنى.
لمَ دخلت إلى قعر قلبي ووضعت لي هدية الغياب ورحلت.
لمَ أخذت ذاكرتي معك... ألم تكتفي بسرقة قلبي.
لماذا لم تسمح لي باحتضان عطره قبل رحيله.. أو حتى بتقبيل همساته.
لمَ جعلتني رمادا ...بل أصبحت أشبه برذاذ عطر منسي.
لمَ غيابه جعلني أشعر بشعور الملحدين ...بلا دين أو وطن.
لمَ جعلته يرحل دون أن يقول لي كلمات الغياب أو يهديني أحضان الوداع.
اقتربت منها "زينب" وأجلستها على المقعد ثم بدأت تمشط لها شعرها قائلة لها بحنان: اهدئي يا عزيزتي لا تدخلي مراحل الهذيان أرجوك.
قالت لها "مريم" والدموع تتساقط من عينيها:
أشتاق إليه في كل ثانية، بل أشعر بوجوده معي أينما اذهب، أشعر وكأن شرايين قلبي تقطعت ثم احترقت و نارها لا تريد أن تنطفئ، بل وكأن قلبي ما بين مخالب وحش عملاق وكل ما ذكر أحد أسم المحبوب أدخل هذا الوحش مخالبه في قلبي.
قالت لها "زينب": لست وحدك يا مريم من شعر بهذه المشاعر لو تعلمين حجم القسوة الموجودة في قلوب العرب، هم كذلك منذ الأزل، حسناً دعيني أحدثك عن بعض القصص الحقيقية التي حدثت في العصور القديمة.
وضعت "مريم" رأسها على كتف "زينب" لتستمع إلى حديثها.
مسحت "زينب" دموع "مريم" ثم بدأت بالتحدث قائلة:
سأروي لك قصة "توبة ابن حُمير" و"ليلى الأخيلية": كانت "ليلى" شاعرة من قبيلة بني عامر تميزت بجمال عيونها العربية الساحرة، كما كانت مقربة من الملوك والأمراء لفصاحتها، "كمعاوية بن ابي سفيان" و"الحجاج" و"عبد الملك بن مروان"، وقد أحبها رجل يدعى "توبة بن حُمير" بجنون وهي بادلته هذه المحبة بنفس القدر تقريبا، وعندما انتشر خبر حبهما في القبيلة طلب "توبه" يديها للزواج، ولكن والدها رفض فالعرب كانوا يرفضون الخاطب إذا علموا أنه واقع في حب ابنتهم وكأن قلوبهم صنعت من الفولاذ، ولم يكتفي أباها بالرفض بل زوجها رجل آخر يسمى "بابي الأذلع"، وبعدما تزوجت "ليلى" استمرت برؤية "توبة "سراً، لم تستطع نزعه من قلبها كما كان حبها له عذري خالي من الخطيئة، وبعدما علم زوجها بأمرهما طلقها وهم بقتل "توبة" ولكن استطاعت "ليلى" إنقاذه، ثم زوجوا ليلى برجل آخر.
مرت العديد من السنوات ، كبرت بهم "ليلى" وتوفي بهم "توبة" وقبل وفاته قال شعرا في "ليلى" خلد إلى يومنا هذا، وفي ذات ليلة من الليالي ذهبت ليلى وزوجها وأهلها إلى "فارس"، وفي الطريق مروا بقبر "توبة" فقالت "ليلى": أريد أن أزور قبر "توبة" ثم اقتربت ناقتها من القبر ثم قالت بصوت مرتفع: السلام عليك يا "توبة"، ثم قالت: ما عرفت له كذبة، فلما سألوها عن ذلك قالت" أليس هو القائل:
ولو أن ليلى الأخيلية سلمـت علـي ودوني تربـة وصـفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو صاح إليها صدى من جانب القبر صائح
ما باله لم يسلم علي كما قال؟!، وكانت بجانب القبر بومة فلما رأت الهودج فزعت وطارت في وجه الجمل، الذي أدى إلى اضطرابه ورمى "ليلى" على رأسها ونتيجة هذه الرمية كُسر عنق "ليلى" وماتت في لحظتها ودفنت بجانب قبر "توبة".
لهذا العرب يقولون أن هذه البيوت الذي قالها "توبة" هي من أصدق البيوت في تاريخ الشعر العربي.
أما في عصر الخلفاء الراشدين
كان هناك شاعرا يسمى" قيس بن ذريح الليثي الكناني" وقد أحب امرأة تدعى "لبنى بنت حباب الخزاعية" ثم طلبها للزواج وقد خطبها له "الحسين حفيد رسول الله عليه الصلاة والسلام"، وقد حظي قيس بذلك ولكن بعد مدة قصيرة طلقها تحت ضغط أهله لأنها كانت امرأة عاقر لا تنجب، ومن العار في ذاك الوقت أن يسمحوا الأهل بقطع نسلهم، وبعدما طلقها أحس بالذنب ولم يستطع نسيان حبها ثم بدأ يهيم بالصحاري وينشد الشعر.
وقد التقى التابعي "عبد الله بن صفوان" ابن الصحابي "صفوان بن أمية" بأبي قيس فقال له: ما حملك على أن فرقت بين "قيس" و"لبنى"، أما علمت أن "عمر بن الخطاب"، قال: ما أبالي فرقت بين الرجل وامرأته، أو مشيت إليهما بالسيف.
مضت الأعوام وتزوجت" لبنى" ولكنها لم تستطع نسيان "قيس" يوماً، وعندما شعر زوجها بهذا الأمر طلقها وبعد طلاقها تزوجت "بقيس" من جديد وبعد فترة قصيرة جداً توفيت ثم توفي" قيس" على أثرها.
كما كان هناك شاعرا يتيما اسمه "عروة بن حزام" توفي والديه عندما كان صغيرا، وقد كفله عمه، وكان لهذا العم ابنة تسمى "عفراء" في مثل عمر "عروة" وقد عاشا طفولتهم معاً كما تعلقا ببعض وعندما كبرا خطبها "عروة"، ولكن عمه وزوجته لم يعجبهما الأمر فطلبوا مهر عالي جداً ظنا منهم أن بذلك يتخلصوا منه ، فذهب "عروة" إلى أحد أقاربه في اليمن ليعينه على مطلب عمه، وبالوقت الذي سافر فيه "عروة" زوجوا "عفراء" لأموي ثري ثم رحلت "عفراء" مع زوجها إلى الشام.
عاد "عروة" الى القبيلة بالمهر المطلوب ولكن تفاجئ بخبر وفاة "عفراء"، ثم دلوه على قبر وهمي، وقد لازم هذا القبر بالبكاء والحزن، ولكن بعد فترة وجيزة أخبرته جارية بكذبة القبر وبزواج "عفراء" ورحيلها، وبعد سماعه لهذه الجارية ذهب إلى الشام لمقابلة "عفراء" وقد حظي بملاقاتها وبث لها ما في قلبه من لوعة واشتياق فأعطته خمارها وطلبت منه الرحيل.
قيل أن كلما أغشي على "عروة" كانوا يضعون الخمار على وجهه فيستيقظ ولم يمضي عليه أكثر من عام حتى رحل عن الدنيا محترقاً بحبه، بعد ذلك ظلت "عفراء" ترثيه حتى وافتها المنية ودفنوها بقربه.
انتهت" زينب" من رواية قصصها ثم وجدت "مريم" قد سرقها النوم على كتفها، نامت "مريم" وبقيت القلوب القاسية مستيقظة.
بقلم سهام
-
سهام السايحمؤلفة كتاب كأنه سديم وكتاب عمر مؤجل
التعليقات
"بين أركان الليل الرهيب - يذوب العشاق ألماً
وحسرة ،واحتراقاً ،ليس من أحد سواهم يحسّ بذلك
الضياع "
لهذا لا اؤيد الحب قبل الزواج لآن نهايته غالباً ماتكون الآلم .
والحب شعور عميق لهذا ارى انه يجب التروي فيه لنترفق بقلوبنا