مرحبا...

نحن الدولة، جئنا ندرس وضعيتكم، بأمر من سلطات البلاد.

المرجوا التعاون معنا، وقول الحقيقة دون كذب أو خوف أو خجل، صِفوا لنا وضعيتكم بإيجاز:

مرحبا، لا أحد بالبيت، زوجي ليس هنا، إنه يعمل، لدي بنت وولدان، نسكن في مستطيل من الطوب اللزق والحجر والتبن، مغلف بألياف القصدير والكثير من البلاستيك الأبيض والأخضر، الطريق إلى المنزل جد وعرة كما ترون، تتعبنا كل يوم، أخشى أن أبقى حية حتى أشيخ، فلا أقدر الصعود أو النزول في هذا المنحدر الضيق والخطير.

ماء العين جف هذا العام، ليس بسبب الجفاف، إنما حفروا فوق العين بئرا وأغلقوها بإحكام، ثم منعوا عنا الماء لأنهم يسقون به الحشيش.

ذهب إبني الأكبر إلى القيادة ليشتكي، فقالوا له أبوك لم يدفع الرشوة للقائد مع ساكنة الدوار، إذن أنتم لستم من أهل الدوار، أنتم عزل، لا حماية ولا أمن لكم عندنا.

وجدنا بديلا مؤقتا، عين أبعد وبها ماء أقل جودة، يستغرق الوصول إليه 35 دقيقة على الأقدام، آخر مرة ذهبت إبنتي لجلب الماء، عادت بلا حذاء، الآن علي أن أبيع شاة كي أشتري بها ما نحتاجه، فنحن فقراء والحمد لله.

البارحة كان زوجي متعبا، لقد عمل النهار كله في حقل القمح بثمن بخس، حاولت إقناعه أن يعمل بحقول الحشيش نصف يوم مقابل ضعف الأجر لكنه رفض قطعا، يقول انه لن يأكل الحرام حتى ولو متنا جوعا، أقول له، هل تعرف أكثر من الفقيه، فيبتسم، الفقيه يقرأ ما يرسلون له، لا حرية له في الكلام، ثم إنه عندما يدفعون الرشوة للقائد هو من يتكلف بإيصالها ويدفع نصيبه وافيا.

لم أعد أقوى على تحمل كل هذا العناء، زوجي أصبح يمرض كثيرا، تمنيت لو تعلمت في المدرسة لكنت الآن طبيبة، أنا ذكية يقول لي دائما، إستطعت أن أشتري محفظة، وأدخل أولادنا للمدرسة، إبنتي الصغرى تقول لي، نحن ليس لدينا كهرباء، لذلك لا يمكننا أن ننجح يا أمي كل عام، أنا أعلمهم كل ما نعرفه، حتى لا يكونوا عالة على الناس.

أخر مرة زرت فيها المدينة لم تعجبني، كانت الأزبال في كل مكان، والضجيج كثير والناس تثرثر وتسير مسرعة، وفئة أخرى تجلس في المقهى بلا فائدة.

لا أريد شيئا من الدولة، قولوا لهم دعونا في سلام، نحن بخير، لا نسرق، لا نكذب، لا ننافق، لا نغدر، لا نخون، ولا نتسول أحدا، نحن مسلمون، نصلي، نصوم، ونفعل الخير. أحلم بالذهاب إلى الحج أنا وأولادي وزوجي، أريد أن أشكر الله، فنحن لدينا كل ما يبقينا أحياء.

كانوا قد ذهبوا دون أن تتفطن إليهم، وكان القائد قد أمر مساعديه أن يكتبوا في التقرير، أسرة لديها كل شيء، إنهم على قيد الحياة.