كانت بداخلي رغبة لقهر كل البشر، للأخذ بثأر الكون منهم، فهم لا يستحقون سوى الإبادة.
ستقول لي الجملة البديهية: ولكنك منهم.
لا، لا تقول هذا، فأنا أتبرأ منهم، أحتقرهم، أتلذذ بإيذائهم.
ها هو الشارع المليئ بتلك الكائنات المقززة عديمة الفائدة، آراهم في حجم النمل من شرفتي في الطابق الخامس عشر، هم لا يروني وهذا يسعدني كثيرا.
(يدق الباب داً لحوحاً)
(محدثاً نفسه) كم أكره صوت هذه الدقات الغبية، ترى من على الباب.
(يفتح الباب)
يفاجأ به ببذلته الرمادية وقميصه السماوي وربطة عنقه التي لا تفارقها قائلاً: ها أنت ذا(يكمل وهو في طريقه
لأول كرسي يصادفه) أين كنت كل تلك الأيام؟
(يرد بنفاذ صبر): كنت أريد الاختلاء بذاتي قليلاً.
(متعجباً): اختلاء!
لقد أصبحت غريب الأطوار في الأيام الأخيرة، ماذا حل بك؟
(ما دخل هذا السفيه بما حل بي، لقد كنت أتلذذ بإنتقاده، وإحراجه كلما سنحت لي الفرصة)
(ببرود)- لا شئ.
*لا شئ!
(يظهر ساعد صاحب البيت الملئ بالجروح، فيتسائل الضيف مستغرباً)
ماذا حل بساعدك؟
(فيسارع صاحب البيت بتغطية ساعده محدثاً نفسه: ما بالك أنت يا أحمق بي، أهذه أول مرة ترى فيها ساعدي على هذا الحال، وكم مرة سألتني كأنها المرة الأولى ولم تلق جواباً، كم أنت فضولي أحمق).
(يتمعن الضيف الغير مرغوب فيه في أرجاء البيت)
-هل غيرت أثاث البيت؟
أظن القديم كان أفضل، ولو أن الإثنين قبيحان. (يضحك مستهزءاً)
(ما باله هذا الجرذ، هل أتى ليأخذ بثأره مني في منزلي، أستطيع الآن أن أجعله عبرة لمن يعتبر)
(يكمل الضيف ساخراً)
وما هذا الذي ترتديه، تذكرني بلباس المساجين.(ويضحك ملء فمه)
(ويكمل)سأرحل الآن، ولا تنسى ميعاد حفلة الغد، الحفل لن يكون حفلاً من دونك(يضحك عالياً)
(ثم يقول مودعاً وهو في طريقه للباب )
-إلى اللقاء.
يترك خلفه صاحب البيت يحاول أن يلملم شتات نفسه، فكم تسبب هذا الأحمق وغيره في بني دوافع الانتقام بداخله، وكم كان سبباً كغيره في تشويه نفسه، وهروبه المستمر من الناس.
هل تريدون معرفة ما تلك الجروح؟
كان يؤذي جسده معاقباً إياه على ضعفه وضعف نفسه أحياناً، وفي أحيان أخرى ليردعه عما كان ينوي فعله في جنس البشر.
فلم يلق منهم سوى الألم والظلم والاستهزاء، وحتى عندما انعزل عنهم يأتون لاستفزازه.
لقد كان مظلوماً يوهم نفسه بأنه الظالم، حتى لا يجن من ضعفه، فتأتي الحقيقة وتصفعه على وجهه بلا رحمة.
وهذه قصة لا نهاية لها، فلا تنتظر مني كلمة النهاية.
-
ياسمينخلقت لأعبر بقلمي عن فكر أبنيه.