ظاهرة الغش المدرسي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ظاهرة الغش المدرسي

  نشر في 05 يونيو 2016 .


بقلم المصطفى بنفارس

عرفت ظاهرة الغش في مؤسساتنا التعليمية في الآونة الأخيرة، انتشارا مهولا مس جميع المراحل التعليمية، واستعملت فيها جميع الآليات والوسائل، بما فيها الآليات التقليدية والحديثة بفعل التطور التكنولوجي الممتد عبر ربوع الكرة الأرضية، وقد انتشرت في جل الأوساط والفئات الاجتماعية، بما فيها الطبقات المهمشة والمترفة، وأصبحت هذه الظاهرة في المجتمع كمكتسب يجب عدم التخلي عنه رغم كل الاستراتيجيات الموضوعة لمحاربة منابع هذه الآفة، والمتمثلة في تدخل مجموعة من الفاعلين في المجال التربوي من أطر تربوية، ومؤسسات حكومية، ومجتمع مدني ،من أجل الحد من التأثير السلبي لهذه الظاهرة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية داخل المجتمع. إذن فما هي الأسباب والواقع وانعكاسات هذه الظاهرة على البنية الاجتماعية؟

إن المتتبع لمجريات الإحداث التي مرت بها هذه الظاهرة، يلحظ أنها بدأت في الانتشار منذ الوهلة الأولى التي عرفت فيها منظومتنا التعليمية عدة تغيرات إستراتيجية، مست جانب المناهج التربوية التي عرفت الارتجالية في المقررات التربوية. وذلك بفعل الانتقائية العشوائية في الطرق البيداغوجية الملائمة لاكتساب التعلمات في المراحل التعليمية المتعددة، وكذلك إثقال كاهل المتعلمين بالمقررات والمواد المدرسة، وسوء تدبير الحيز الزمني للمواد خلا ل الحصص اليومية، وانتقاء مناهج تربوية خارجية وإسقاطها واعتمادها في مؤسساتنا التعليمية دون معرفة مسبقة بالأرضية التي سوف تنبت فيها. تعاقب الحكومات و المجالس العليا للتعليم ووضع مخططات و إلغاء أخرى، بدون تخطيط مسبق على المدى القريب والمتوسط والبعيد. كما لا يخفى على كل فاعل تربوي، أن البنية التحتية للمؤسسات التعليمية والتي تعاني من النقص في القاعات الدراسية وإهمال المرافق الصحية وضعف الوسائل الديداكتيكية، إلى جانب ذلك يلاحظ الفاعل التربوي ضعف التكوين المستمر للأطر التربوية في جل المراحل التعليمية، بفعل انعدام المصاحبة التربوية للأطر العاملة في الحقل التربوي. كما أن التوظيف المباشر بدون إعداد مسبق ساهم في تعقيد الوضعية التربوية، ولا ننسى الإدارة التربوية التي تحتاج إلى تكوينات مستمرة من أجل حسن تدبير المؤسسات التعليمية فأغلب الأطر تفتقر إلى المنهجية الملائمة لتسيير المؤسسات التعليمية بل تجعل نفسها في موقف عداء للمتعلمين والأطر التربوية وهذا لا يخدم صالح المجالات التربوية، كما نجد العامل الاقتصادي له دور مهم في هذه المنظومة لأن الهشاشة الاجتماعية تؤدي إلى الهدر المدرسي ومشاكل نفسية واجتماعية للمتعلمين خلا ل مراحلهم التعليمية. وينعكس هذا الواقع سلبا على عطاءات هذه الفئات ،ولا ننسى الجانب الاجتماعي فهو له دور مؤثر في هذه المنظومة، فتفكك البنية الاجتماعية يؤدي إلى تأثر الأسرة و بالتالي خلل في التنشئة الاجتماعية أو الهبيتوس ينتج عنه خلل في المدرسة وبالتالي الانحراف والإجرام والتعاطي للممنوعات والتعدي على حرية الغير. أما من الجانب السياسي يغيب دور المجتمع المدني في تحمل المسؤولية داخل هذه المنظومة مما يؤدي إلى ظهور أعطاب بسبب ضعف التأطير الايجابي والاهتمام بالمصلحة الخاصة، بما فيها الأحزاب والنقابات والجمعيات والقطاع الخاص والحكومات المتعاقبة التي لم تعطي الاهتمام الخاص لهذا القطاع باعتباره قطاعا غير منتج والعكس صحيح.

وقد عرفت هذه الظاهرة انتشارا واسعا في جل المؤسسات العمومية والخصوصية والامتحانات الوطنية والجهوية والمحلية والمهنية والمباريات، وأصبحت حقا لا يجوز التنازل عليه، وذلك راجع لضعف الكفاءة والتعلمات لدى المتعلمين، بسبب الاكتظاظ داخل الأقسام وبالتالي كثرة الشغب وعدم التحصيل المعرفي، ينتج عنه الغش في الامتحان بعد ذلك النجاح والانتقال إلى مستوى أعلى بدون عتبة مؤهلة، وبالتالي الحصول على نموذج متعلم فاشل يستطيع أن يصل إلى الثانية باكالوريا بدون مجهود شخصي، واعتماده فقط على ظاهرة الغش. كما لا يخفى على أحد ضغط الإدارة التربوية على الأطر التعليمية من أجل نجاح الجميع و بدون مؤهلا ت مستحقة .

ينتج عن هذه الظاهرة إنتاج متعلم بدون مؤهلات لا يستطيع أن يتحمل مسؤوليته داخل المجتمع و الأسرة و المؤسسات الاجتماعية ،ومن هذا المنطلق تظهر الآفات الاجتماعية و التطرف و الانتقام من المجتمع والرغبة في الحصول على الأشياء بدون تعب ،وحتى إذا تحمل مسؤولية داخل المؤسسات الحكومية أو غيرها لا يؤدي دوره بجدية، و تبقى ظاهرة الغش في ذاكرته طيلة حياته العملية ،وبالتالي الحصول على شباب غير قادر على دعم التنمية الاقتصادية للبلد. بسبب ضعف الكفاءة ينتج تفكك للبنية الاجتماعية من ناحية القيم و المعايير المجتمعية ،وظهور أفات متعددة.يؤدي الغش كذلك إلى ضعف المشاركة السياسية في تسيير المؤسسات الحكومية و الغير الحكومية و مؤسسات المجتمع المدني ،وبالتالي وجود الرجل الغير المناسب في المكان الخطأ، أما من الناحية الثقافية فهناك تحصيل حاصل في ضعف الثقافة السوية لدى معظم الشباب بفعل ضعف التكوين و بالتالي الحصول على شباب مستهلك فقط و غير منتج.

وفي الأخير يتضح لنا جليا أن هذه الظاهرة، يجب على جميع الفاعلين داخل القطاع و خارجه النهوض بها و تحمل المسؤولية كاملة كل من موقعه في تأدية واجبه، لأن التعليم هو نهضة الأمم، ولأن الجهل يولد الجهل ،و لذا يجب تظافر جهود الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، في وضع خطط وطنية صالحة لبيئتنا وأرضيتنا ومعاييرنا وقيمنا، من أجل احتلال الصدارة في ترتيب الأمم داخل المنظومة الدولية، ومن أجل استرجاع قيمة و هيبة شواهدنا التعليمية.


  • 1

   نشر في 05 يونيو 2016 .

التعليقات

samia منذ 8 سنة
اخي مصطفى تبدا محاربة الغش من المهد فتربية ابنائنا على الوفاء و الاخلاص هو دواء الغش.
هدانا الله و اياكم .
1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا