ونحن نسلّم حلب بذرّات ترابها و نسيم هوائها و زرقة سمائها ..
ونحن نسلّم حلب .. سالمةً من كلٍّ خائن ولو هو يمرّ عليها، عزيزةً عن الخسارة ولو كانت صولة الباطل في ذروتها فيها، عصيّة على الانكسار ... ولو تجرّدت من أهلها و أحبابها ..
ونحن نسلّمها متفرّجين مكلومين .. لا يفتأ ديننا يلمع بأرواحنا كلمعان السّيف إذ ازداد بريقه كلّما اشتدّ السّواد حوله، و تشمخ حقائقه لتتماهى عزّة في نفوسنا، فعزّةً في واقعنا بين أهلينا و أعدائنا..
كيف لا .. و فطرة الطبيعة كلّها تتهادى على أمواج شريعتنا بتناغمٍ لا مثيل له ولا حدّ،
كيف لا و نواميس الكون كلّها تحيّي ديننا وهدي حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلّم ..
كيف لا .. و ديننا و سنّة نبيّه تحيّي كلّ ما فينا من إنسانيّة و كرامةٍ وكبرياء و عزّة ،
ففي السّلم تجد أهل الإسلام يميلون حيث النّماء يميل ..
فلا حقد ولا غلّ يسوّد وجه القلب، ولا وجهين للرأي ففتنةٌ تأكل القلب، ولا قطيعة تجفّف نبع الوصل، ولا طمع ولا كبرٌ يعطي غير صاحب الحقّ الحقّ.
و في الحرب تجدهم يحملون ترس الحلم والحدّة بتوازن و قوّة ..
فلا بغي ولا انتهاك عرض ولا شرب دمٍ ولا أي مظهر تشرئب منه نفوس الذين( آمنوا)،
ولا رقصٌ على جراح الإخوة ولا تنابز بالألقاب ولا ردحٌ بغير منطق ولا جدلٌ لغير نفعٍ ،،
أمّا الرّوح،، فمن سلك طريق الدين سليماً ففي الروح تراصٌّ فلا فراغاتٍ بلا هدف، ولا شهوة لغير سبيل، ولا لذّة بلا ضابط ومهذّب .. ولو كانت أخفى من دبيب النّملة كان ضابطها وعينا بها و إقرارنا بوجودها .. وهو لبّ المرء و ذاته : "وعيه وإدراكه".
وفي النّفس سموٌ يشبه غاية خلقنا وسرّ غيرة الشيطان منّا وخصامه لنا و"قعوده"لغوايتنا: (الرّيادة في هذا العالم)، .. والرائد لا يقبل لنفسه الدنيّة ولا الناقصة،، وكذا النّفس لا تقبل غير السمو والطّهارة..
كلّما ابتعدنا عن ديننا ابتعدنا عن سويّتنا و فطرتنا .. واقتربنا إلى البهيمية ربما أو أضلّ سبيلا.
فهنيئاً لمن أدرك اللحظة و وعى بها، فأمسك زمام نفسه و قادها .. واقترب خطوةً فخطوة بإسلامه نحو إنسانيّة أتمّ و إسلاميّة أعظم .. نراها سلمًا وحربا.. وصلاً و قطيعة، نفساً وروحاً وعقلا،، و لا نقع عند أول مطبٍّ نتعثر به في سيرتنا ومسيرتنا .
وهنيئاً لمن أشعل فتيل وجعه نوراً يهديه سبيل الرّشاد.