مسلسل الزير سالم من الأعمال الدرامية الخالدة في ذاكرة العرب ولا زالت نسبة مشاهداته تزداد مع مرور الزمن على الرغم من مرور عقدين من إنتاجه وأول ظهور له.

أقول هذا الشيء من ملاحظتي الشخصية خاصة عند المتابعين اليمنيين وأكاد أجزم أنك لا تكاد تدخل مقهى انترنت في ربوع اليمن إلا وتجد من يستمتع بمشاهدته وكأنه ظهر بالأمس القريب فقد أصبح المسلسل كما يقال: "قديم حديث".

لست من أهل السينما حتى أحلل أسباب نجاحه الكاسح في الوطن العربي ولا شك بأن لنجوم سوريا دور كبير في نجاحه، ولست كذلك من أهل الاجتماع أو علم النفس حتى أحلل دوافع المشاهدين بمشاهدة رجل كالزير سالم ارتبط اسمه بالثأر لأخيه وقتله المئات في حرب اشعلتها ناقة واستمرت لأكثر من اربعين سنة.

فلا يختلف إثنان أن قصة الزير سالم أصبحت أيقونة في تاريخ العرب الشفهي كما وردت في مصادر تاريخية عدة بروايات مختلفة ومتضاربة وضربت الأمثلة بثأر الزير سالم لأخيه، وظلم كليب ابن ربيعة، وفتنة البسوس، وكذلك تغنت العرب بجمال الجليلة واشعارها، ووصمت الغدر بجساس بن مرة، وتحدثت عن قوة ابن عباد ووفاء امرؤ القيس ابن إبان ولا يذكر فصل ما يسمى بالعصر الجاهلي في التاريخ الا وتذكر حرب البسوس معه، وما ذكرت من قصص واشعار...

منذ انتاج المسلسل عام ٢٠٠٠م وهنالك لغط كبير يدور حول الجغرافيا التي دارت رحى حرب البسوس وحقيقة مقتل التبع اليماني بيد كليب بن ربيعة من عدمه، وازداد اللغط أكثر وأكثر مع ظهور السوشيال ميديا بين المتتبعين لأحداث القصة وحقيقتها فأهل اليمن يرون أحداثها كانت في تهامة ؛ بينما أهل الخليج لهم رأي آخر، أما عن أهل الشام فلا يجدون سوى أرضهم مسرحا لحرب البسوس.

ما يعنينا في الأمر هو ظهور شخصية التبع اليماني "حسان" في المسلسل وعلاقته بحرب البسوس وقد جاء ذكره في انطلاقة المسلسل مما أثار التساؤل لدى المشاهدين حول المصدر التاريخي الشفهي الذي اعتمد عليه كاتب المسلسل لا سيما وأن كثير من المصادر تقول عكس ماورد في المسلسل؛ خاصة في مقتل التبع "حسان" وهناك جدل كبير أيضا بشأن تحديد جغرافيا حرب البسوس، وقد وقع بالصدفة في يدي كتاب "سيرة ملوك التباعنة" أو التبابعة للباحث المصري شوقي عبدالحكيم والذي صدر عام ١٩٩٧م ثم أعيد صدوره عن مؤسسة هنداوي والذي اجزم أنه من أهم المصادر الذي اعتمد عليها كاتب المسلسل وسأذكر في هذا المقال مقارنة بين ما جاء في الكتاب وما جاء في المسلسل... علما بأن الباحث نبهنا لمعلومة فريدة لا يكاد أحد يذكرها في تاريخ ملوك التبابعة وهي أن التعريب سابق للاسلام وما حدث بعد ظهور الإسلام من فتوحات ما هو إلا امتداد لماضي ملوك التبابعة فلهم دور كبير وقديم بنشر التعريب في بلاد المشرق وافريقيا أو كما كان يحلو لأحد التبابعة القول: "دعتني نفسي أن إنطح الصين" ولهذا نجد آثار الحضارة اليمنية موزعة في شتى اصقاع الارض.

الباحث المصري نقل كتاب "سيرة ملوك التباعنة" من مخطوطة وجدها في متحف في لندن كما أورد في مقدمته، واعتمد اسقاطاته الجغرافية عليها، ولذلك اعتبرت أن المخطوطة من أهم مصادر المسلسل فحسب ما ذكرت المخطوطة أن التبع اليماني أسعد الكامل بعد اجتياحه بلاد الصين وتقهقر جيشه فيها بسبب الخيانات وعودته من ثم إلى اليمن قرر خلفه التبع "حسان" اجتياح بلاد الشام وجعل من "دمشق" عاصمة لحكمه.

ظهر التبع اليماني في المسلسل كما في كتاب "سيرة ملوك التباعنة" ملك عنيد لا يستمع لمشورة وشهرته واسعة في الآفاق وهو ملك مستبد متجبر يحكم مساحات شاسعة من الأراضي، وكان كليب بن ربيعة يرى نفسه صغيرا أمامه، ويحسده على طاعة قومه له فحز في نفسه هذا الشيء ولطالما تحدث كليب عن سطوة التبع لقومه بإعجاب شديد لذلك عندما أسس كليب لنفسه مملكة نجده حاول أن يحذو حذوه، فبدأ بالتجبر على قومه ووضع مسافة بينه وبينهم- كما هو حال الملوك- وهذا ما أثار حفيظة بني مرة خاصة جساس ابن مرة فطبيعة هذه القبائل البداوة والتي يغلب عليها التمرد عن الدولة وعدم الإنصياع للأوامر النافذة من قبل الملوك وهذا ما كان يشكو منه كليب ابن ربيعة بالتحديد.

بدأت القصة في الكتاب والمسلسل أيضا بطلب "التبع اليماني" الزواج من الجليلة وقد كانت الجليلة خطيبة لكليب ابن ربيعة علما بأن التبع اليماني قتل ابو كليب قبل مده وعلق جثته على أسوار العاصمة "دمشق" ليقوم كليب بتدبير خطة انتقامية لمقتل التبع اليماني "حسان" ليثأر لأبيه وليكسب ود خطيبة الجليلة بالتنسيق مع أبناء عمومته بني مرة حيث أظهر بنو مرة للتبع "حسان" حسب الخطة قبولهم زواج الجليلة منه وكانت تفاصيل تجهيز الجليلة للتبع في المسلسل مذكورة كما في الكتاب حد المطابقة؛ بل وفي أدق التفاصيل، وهي أحداث شبيهة بدخول حصان طروادة لقلعة العدو اللهم إن حصان طروادة كان في جهاز الجليلة هذه المرة حيث أختبئ جنود بني تغلب وبني بكر في الجهاز في مراسم استقبال العروس الجليلة.

الكاتب يذكر أن بني تغلب هم من فلسطين بينما بني مرة من لبنان وقد حرص التبع اليماني على تزوج الجليلة المرأة البيروتية الفاتنة كما وصفها المؤلف بقصد التفرقة بين أبناء العمومة ليضرب بعضهم بعضا، ولهذا نجد بعض أهل الشام ينسبون قصة الزير سالم اليهم.

رغم تشابه قصة المسلسل كثيرا مع ما وورد في الكتاب الا أن هنالك اختلاف بسيط بين أحداث المسلسل وكتاب "سيرة ملوك التباعنة" حيث اعتبر المسلسل البسوس خالة جساس بينما جاء في الكتاب انها عمة التبع وأن سبب الفتنة التي اشعلتها البسوس هي انتقامها من وائل بن ربيعة الذي قتل التبع اليماني "حسان".

كما لم يسهب المسلسل في ذكر التبع اليماني "حسان" كثيرا فهو من نفى قوم زرقاء اليمامة وقد صدقت نبؤتها فيه حيث بشرته بطريقة مقتله، وكذلك ذكر أنه أول هو من كسا الكعبة وأسس المدينة المنورة والتي كانت بأسم وزيره المخلص "يثرب" وهو أيضا من بشر بظهور الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهذا مالم يذكر في المسلسل.