أولاد المشايخ والالتزام الديني - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أولاد المشايخ والالتزام الديني

  نشر في 01 فبراير 2016 .

أولاد المشايخ والالتزام الديني

أ. بسام أبو عليان

مذ كنت طالبا في السنوات الأولى في الجامعة، أي منذ ما يزيد عن عقد ونصف، استرعت انتباهي ظاهرة، وقد سيطر علي حينها الدهشة والاستغراب. هذه الظاهرة هي: (عدم الالتزام الديني عند "أغلب" أولاد المشايخ). في بداية الأمر لم أحدّث أحدا بهذه الملاحظة، وبقيت حبيسة النفس لئلا يفهم أحد كلامي على غير وجهته، وألا يظن البعض ـ خطئا ـ بأني متحامل على "أولاد المشايخ"، أو أني أريد الإساءة إليهم، واعتقدت في حينه أن ما لاحظته هو مجرد حالات فردية هنا وهناك. لذلك لا يجوز التعميم والتسرع في إطلاق الأحكام العامة. لكن مع مرور الوقت ثبت لي صحة ما اعتقدته سابقا، حينها تجرأت على المناقشة، وأخذت أناقش زملائي حول هذا الموضوع، ولقيت منهم استجابة كبيرة، بل أخذ كل واحد منهم يسوق الكثير من الأمثلة عن أبناء المشايخ في مناطق إقامتهم، أو الذين يعرفونهم عن قرب.

شاءت الأقدار أن أتنقل في أكثر من بلد عربي، وأجد عندهم نفس الظاهرة التي لاحظتها في فلسطين. وقد احتل الموضوع حيزا كبيرا من تفكيري لدرجة أنني أردت أن أفرد له دراسة ميدانية للتعرف عن قرب عن أسباب هذه الظاهرة، إلا أن الظروف المحيطة لم تساعد.

ماذا نقصد بالمشايخ؟:

قبل الخوض في تفاصيل المقالة لابد من توضيح ما أعنيه بالمشايخ، الشيخ: لا أقصد به هنا المعنى اللغوي للكلمة، إنما عنيت بها: كل شخص ملتزم دينيا، ومن رواد المساجد، وصاحب خلق وسلوك إسلامي رفيع، سواء كان: (خطيبا، إمام مسجد، واعظا، متخصص في العلوم الشرعية، أو رجل له مكانته العالية في الحركة الإسلامية).

ملاحظات على سلوكيات أولاد المشايخ:

هناك الكثير من الملاحظات التي يمكن أن تسجل على أبناء المشايخ، والتي دعتني للقول بعدم الالتزام الديني عند (أغلبهم)، خذ على سبيل المثال:

• عدم المواظبة على الصلوات الخمس جماعة في المسجد، مع العلم أن بعضهم بيته لصيقا وجارا للمسجد، بل بعضهم مفرط في أداء الصلوات حتى على الصعيد الفردي!!

• المظهر الخارجي والهندام: هناك شريحة كبيرة من أبناء المشايخ الذين يجارون الموضة الغربية في أغلبها، ولا يعكس صاحب هذه الهيئة بأنه شباب مسلم الملتزم تربى تربية إسلامية صحيحة في بيت إسلامي ملتزم على موائد القرآن الكريم والسنة النبوية، والمتحلي بأخلاق وقيم الإسلام، فتجده على سبيل المثال يلبس: (البنطال الساحل، أو البنطال المرقع، أو البنطال ذو الرجل الواسعة، أو البنطال الضيق، والبلوزة الضيقة، والبلوزة القصيرة)، يتحير الواحد منهم كيف يتصرف في شكله وهيئته، ناهيك عن تسريحات الشعر واللحية والشارب الغريبة (المقززة).

• سماع الأغاني الماجنة ـ الهابطة، ومتابعة الأفلام الخليعة.

• تعاطي السجائر (مدخن) ظنا منه ـ خطئاـ أنه بمجرد أن يتعاطى الفرد السجائر أصبح رجلا في مصاف الرجال، وصار صاحب شخصية مستقلة.

• يضع في رقبته سلسلة، وفي ذلك تشبها بالنساء، أو تقليدا للمغنين والممثلين والفنانين الغربيين أو حتى العرب منهم.

• معاكسة الفتيات سواء بالجوالات، أو عبر الانترنت، أو من خلال السيارات، أو على قارعة الطرقات، أو على بوابات المدارس، أو في باحات الجامعات.

• ممارسة الكثير من السلوكيات غير الإسلامية، بل وصل الحد ببعضهم أن تمادى في غيه وانحرافه فمارس الفاحشة، وبعضهم تعاطى المخدرات، وبعضهم شرب المسكرات، وبعضهم جمعها جميعا.

• على صعيد بنات المشايخ قد يكن من المتبرجات والسافرات، ولم يلتزمن باللباس الشرعي كما قرره الدين.

تشخيص الحالة:

بعد هذه الملاحظات، السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يجعل هؤلاء الأبناء يأتون بهذه التصرفات غير الملتزمة؟، أين يكمن الخلل؟، هل يكمن في الوالد (الشيخ)؟، أم في طريقة تنشئة الأبناء؟، أم في الابن نفسه؟

قد تكون هذه العوامل مجتمعة سببا في انحراف هؤلاء الأبناء وغياب الالتزام الديني عندهم، وقد يكون عاملا من هذه العوامل، وفيما يلي الحديث عن كل عامل من هذه العوامل:

أولا/ الانشغال بالعمل الدعوي دون الاهتمام بالبيت من الداخل:

قد تجد الأب (الشيخ) يشغل جل وقته في الدعوة إلى الله تعالى، فيقضي ساعات ليله وهو يختار الموضوعات ويحضر الخطب والمواعظ، ويقضي ساعات نهاره وهو يتردد ويتنقل من مسجد إلى مسجد يلقي الدروس والمواعظ والخطب، ويدعو الناس إلى التخلق بأخلاق الإسلام، والالتزام بقواعد الدين الإسلامي، وقد يتمعر وجهه غضبا على حرمات الله تعالى التي تنتهك كل يوم سرا وجهرا دون خوف أو وجل من الله جل وعلا. في المقابل يكون بيت هذا الداعية (الشيخ) مدمر من الداخل. تجد عنده من الأولاد مَن يمارس واحدة أو أكثر من السلوكيات المنحرفة سالفة الذكر، فأين هذا الشيخ من قول الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }البقرة44. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ }الصف2-3. بمعنى آخر، أسلوب رقابة ومتابعة الأبناء ضعيفة إن لم تكن مغيبة من قبل الآباء (المشايخ)، ظنا منهم؛ كونهم وعاظ وخطباء ودعاة ملتزمون، سيكون أبنائهم على شاكلتهم. كيف سيكون ذلك ما لم تكن هناك رقابة ومتابعة، وتوجيه وإرشاد من قبل الوالدين؟!. لذلك يعتبر أسلوب "المراقبة والمتابعة والتوجيه والإرشاد" من أهم أساليب التنشئة الاجتماعية، لاسيما في وقتنا الحالي الذي تطغي عليها الفضائيات والإنترنت.

ثانيا/ خلل في أساليب التنشئة الاجتماعية:

إن أساليب التنشئة المتبعة مع الأبناء لها انعكاسات على شخصيتهم وسلوكياتهم ومعتقداتهم، وتركيبهم النفسي والاجتماعي. فحري بهؤلاء المشايخ كونهم من المتخصصين في علوم الشرع، ويعتبرون أنفسهم حراسا للدين، أن يتبعوا مع أبنائهم نفس الأساليب التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام في تربية أبنائهم، والتي ينصح علماء الاجتماع والتربية والنفس المعاصرون بإتباعها في تربية أبنائنا، لأنها أثبتت نجاحها في بناء شخصية الفرد المسلم، وتساهم في تأسيس جيل عقائدي سليم ـ خالي من الأمراض والمشكلات الاجتماعية والنفسية، ومن الأساليب الإيجابية التي ينصح باتباعها: (حرية التعبير، القدوة الحسنة، التقليد، الاستقلال، التوجيه عن طريق الثواب والعقاب، التسامح)، والابتعاد عن الأساليب السلبية والخاطئة مثل: (الحماية الزائدة، التدليل، الشدة والقسوة، العقاب والضرب، غياب الرقابة والمتابعة، التمييز في المعاملة بين الأبناء بحسب النوع أو الترتيب في الأسرة... إلخ).

ثالثا/ اعتقاد الأبناء الخاطئ بأن تدين الآباء سيشفع لهم:

هناك اعتقاد خاطئ عند بعض الأبناء بأن تدين آبائهم سيغفر لهم أخطائهم وزلاتهم، وبما أن والديهم ملتزمون ومشايخ لهم قدرهم ومكانتهم الاجتماعية والدينية في المجتمع فإن ذلك يعفيهم من التدين والالتزام!. ألم يعلم هؤلاء الأبناء أن أنظار المجتمع كلها موجهة عليهم، فأي سلوك يأتونه ويصدر عنهم هو محسوب عليهم؟! ربما لو أتى نفس السلوك ـ الذي أتاه ابن الشيخ ـ شخص عادي في المجتمع لم يخضع للتأنيب واللوم الذي يخضع له ابن الشيخ والشاب الملتزم.

أين هؤلاء الأبناء من قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب عمه العباس وابنته فاطمة عليهم رضوان الله تعالى: "إني لن أغني عنكم من الله شيئا"، فكل فرد يحاسب على عمله، لا ينفعه بأن والده شيخ أو عالم، قال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ*وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ*وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ *لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}عبس34-37.

وأحيانا تكون نظرة أخرى للموضوع، فيكون لهذا الأمر انعكاسات سلبية على الشباب عموما في المجتمع، فحينما تنهى شابا عن إتيان وممارسة سلوك خاطئ، تجده يقول لك مباشرة: (فلان) ابن الشيخ (علان) يأتي بنفس هذا السلوك ولا أحد يحاسبه أو ينتقده!، أحلال عليهم حرام علينا؟!، وكأنه يرى بأن تصرف يأتيه "ابن الشيخ" جاء بناء على رضا وقبول من والده الشيخ، الذي هو الأعلم منك في علوم الدين.

لذلك وجب على المشايخ أن يتنبهوا لهذه المسألة؛ لأنهم محل تقدير واحترام في المجتمع، ويحاول الناس أن يقلدونهم في كل ما يأتون كون أنهم هم حماة الدين وحملة العلم الشرعي، وهم الأدرى والأعلم بالحلال والحرام.

خاتمة:

أختم مقالتي مذكرا المشايخ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ما معناه ـ: "ثلاثة أول من تسعّر بهم النار"، ذكر منهم (عالم)، فيسأله ربه: فيم تعلمت العلم؟، فيجيب: يا رب من أجل أن ينشر العلم بين الناس، ويتعلموا ويتفقهوا أمور دينهم، فيقول الله تعالى له: كذبت؛ تعلمت العلم ليقول الناس أنه عالم وقد قيل، خذوه يا ملائكتي إلى النار.

حذاري شيخي الكريم:

أن تكون من هذا الصنف من العلماء، الذين هم كثر في مجتمعنا اليوم، ما تعلموا العلم من أجل أن يعود بالنفع والفائدة على الناس والمجتمع، إنما تعلموا العلم من باب السمعة والشهرة (النفاق والرياء)، ليشار إليهم بالبنان، بأن فلان عالم. هؤلاء العلماء لا يتجاوز العلم حناجرهم. تجدهم في كل مكان يحثون الناس على الخير والفضيلة، وهم يأتون عكس ما يدعون الناس إليه. يدعون الناس إلى الصدق والإخلاص في القول والعمل، وهم أهلا للدجل والكذب والنفاق والرياء، يدعون الناس للتصدق والإحسان وهم أهلا للشح والبخل، يدعون الناس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم يرون المنكر ولم يغيروه ـ إن لم يأتوه ـ.




  • د. بسام أبو عليان
    محاضر في قسم علم الاجتماع ـ جامعة الأقصى. محاضر سابق في جامعات: (الأزهر، والقدس المفتوحة، والأمة للتعليم المفتوح، وكلية المجتمع). مدرب في مجال التنمية البشرية.
   نشر في 01 فبراير 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا