القراءة فعل توارثته الأجيال عبر السنوات، فمنذ اختراع الطابعة على يد يوهان جوتنبرج عام ١٤٤٧ انتشرت الكتب بشكل سريع فأصبح من السهل اقتنائها و أصبحت في متناول العامة . صحيح أن تاريخ القراءة يمتد لقبل ذلك بعشرات بل ربما مئات السنين، لكن يُرجع الكثير من المؤرخين الفضل في بداية انتشار القراءة بشكل كبير الى العام الذي شهد اختراع الطابعة.
احتلت القراءة مكاناً مميزاً في حياة جميع الأدباء العرب بلا استثناء، فالقراءة هي وقود الكتابة، أي أنها الفعل الذي يسبق إنتاج أي عمل أدبي. لذلك حرص الكثير من الأدباء علي تخصيص وقتاً محدداً للقراءة، وكان لكل منهم عادات خاصة متعلقة بالقراءة بغرض تحفيزهم على المواصلة و قراءة المزيد. عُرف عن عباس العقاد مثلاً أنه كان يقرأ مئة صفحة ليكتب صفحة واحدة، وعندما سُئل عن ما يدفعه للقراءة كان جوابه من أبسط وأعمق ما كُتب عن دوافع القراءة:
"إن أحدًا في الدنيا لا يترك أكل الطعام وشرب الماء وينتظر ريثما يقول له القائلون لماذا يأكل ولماذا يشرب .. فهو يأكل ويشرب لأنه يحسّ في جسمه الجوع والعطش لا لأن أحدًا فسّر له علّة الأكل وعلّة الشراب، ولو أن الذي يسأل لماذا يقرأ ولماذا يتثقّف كانت له نفس تجوع كما يجوع جسمه لاستغنى عن سؤاله وأقبل على موائد الثقافة غير منتظر جواب ذلك السؤال. فمن كان يسأل الناس على هذا النحو فخير له وللناس ألا يجاب، لأنه لا يستفيد مما يسمع ولا يستحق مؤونة الجواب".
عُرف أيضا عن العقاد أنه كان يقرأ في جميع المجالات وبالأخص كتب فلسفة الدين والتاريخ وتراجم العظماء والشعر.للوهلة الأولى قد تعتقد أن لاشيء يجمع بين تلك الكتب، لكن الحقيقة أن هناك رابطا قويا يجمع بينهم ألا وهي الحياة، فكتب فلسفة الدين والتاريخ ليسوا سوى بحثاً ممتداَ في أشكال الحياة المختلفة. أما تراجم العظماء فهو استعراض لحياة اناس أثروا وتأثروا بمختلف أنواع الحياة، والشعر هو ترجمان العواطف، ولذلك فالعقاد كان من أكثر الكتاب المعنيين بسر الحياة، كما يقول عن نفسه.فبالرغم من اهتمامه بتنوع مجالات القراءة إلا أنه يعطي اهتماماً خاصاً بالكتب الأدبية والفلسفية على وجه الخصوص لما فيهما من تنوع يفيد القاريء ويُتيح له فرصة الإطلاع على تجارب وأفكار من مختلف العصور.
اذا ذكرنا العقاد فلا ينبغي أن ننسى أنيس منصور، أحد أشهر تلامذة العقاد وأكثرهم نبوغاً. كان أنيس منصور يستيقظ فجرا ليمارس طقوسه اليومية من قراءة وكتابة، فكان لا يكتب إلا مع طلوع النهار. عُرف عنه أنه قارئاً نهماً حتى انه امتلك مكتبة ضمت أكثر من ألفي كتاب. كان شغفه بالقراءة يفوق أي شيء آخر حتي انه رفض العديد من المناصب كي لا تشغله عن ممارسة أحب الاعمال إلى قلبه: القراءة والكتابة. كان يردد " لو سُئلت: ما الذي تتمنى أن تشربه دون أن تفيق؟ لقلت: عصير الكتب، خلاصة الفكر، مسحوق الفلسفة"!
أما نجيب محفوظ فكان يقضي قرابة الست ساعات بين القراءة والكتابة، وعُرف عنه أنه لم يكن يقرأ ولا يكتب سوى بغرفة مكتبه بالمنزل، فلم يقرأ أبدا خارج المنزل، كانت جملته الشهيرة والتي يرددها دائما: البيت للقراءة والكتابة، أما المقهى فللاصدقاء.
وعن بداية حبه للقراءة يتحدث نجيب محفوظ في حوار نادر مع الكاتب محمد سلماوي عن تأثره الشديد بكتابات المنفلوطي حتى أنه قرأ روايته الشهيرة "ماجدولين" ما يقرب من الخمسة عشر مرة. بالنسبة لنجيب محفوظ، تعتبر كتابات المنفلوطي وعباس العقاد من أهم العوامل المؤثرة في ارتقاء اسلوبه الادبي وعمق محتواه. يقول ايضا "لم أقرأ عمل أدبي مرتين، كانت الرقعة واسعة جدا، ونهمي إلى الجديد لا يسمح بقراءة عمل مرتين".
كذلك كان يوسف ادريس، الذي تفتح وعيه علي الأدب العالمي والقصص القصيرة، فلم ينقطع حبه للقراءة حتي بعد أن اصبح كاتباً وروائياً معروفاً. أثرت سلسلة روايات الجيب في تشكيل وعيه وبناء ثقافته كما تأثر أسلوبه القصصي برواد القصة القصيرة في مصر مثل يحيى حقي وطاهر لاشين حتى تبلور أسلوبه واكتسب طابعاً ميزه عن أدباء هذا العصر.
القراءة كأي شيء آخر، تحتاج منا الصبر و المواظبة عليها حتى نعتادها. إذا واجهتك صعوبة في المواظبة على القراءة فمن الممكن أن تبدأ بقراءة القصص القصيرة وبذلك تتجنب الملل. يقول أنيس منصور في إحدى مقالاته "أن أي ورق يقع بين يديك يجب أن تقرأه. المهم أن تكون القراءة عادة". ابحث عن الموضوعات التي تثير اهتمامك سواء كانت في الفلسفة، الطب، علم النفس أو التاريخ. من المؤكد أن هناك موضوعاً لطالما أردت أن تعرف المزيد عنه. هناك الكثير من الكتب الخاصة بالمبتدئين فليس من الضروري أن تكون ذو خلفية تاريخية واسعة لتقرأ كتابا في التاريخ مثلا، المهم أن تمتلك الشغف بالمعرفة والصبر كي تجني ثمار ما قرأت.
التعليقات
بداية موفقة , و في إنتظار كتاباتك القادمة .