بيت فؤاد ٥
لو كنا ندرك حقاً كم أن الحياة قصيرة، ربما لتخلينا عن أشياء كثيرة تمسكنا بها حد الموت، وتمسكنا بأشياء أخرى كانت تستحق بالفعل!
نشر في 25 يوليوز 2018 .
كانت تقول لي دوماً بأنني رجل نزق، بأنني احتاج لقوة جبارة كي تحتمل مزاجيتي وطباعي. لم أفكر يوماً بأن امرأة مثل "سعاد" ممكن أن تخون!
ربما فكرت ذات يوم بأنها قد ترحل، لكن أن تخون .. ربما لم تكن مصادفة أن تقع مذكرات "فؤاد" بين يدي وأن أفتح على تلك الصفحة بالذات، ربما أراد بعد موته أن يجيبني عن سؤال لطالما فكرت أن أطرحه عليه.
سألني في أحد لقاءتنا الأولى إن كنت متزوجاً، أجبته يوماً بابتسامة كنت أحاول أن أخفي خلفها ألم الطعنة والخذلان بأنني منفصل. كان يومها صديقي "طارق" الذي عرفني عليه يحاول أن يمنع أي تدفق إضافي للأسئلة كونه كان يعرف بكل شيء.
الشهادة لله بأنني لم أحاول يوماً أن أشهر بأخلاقيات "سعاد"، لكنها أخبرت كل من عرفنا بكل شيء. "سعاد" سافرت بعدها ولم يعد يسمع عنها أحد شيء. حتى الرجل الذي خانتني معه تركته واختفت ..
"سعاد" لم تهرب من الفضيحة، ليست "سعاد" تلك المرأة التي تهرب، لكنها ربما أدركت لاحقاً أن كلا النهايتين لم تكن ما تبحث عنه. أضاعت طريقها كما أضاع "فؤاد" وحبيبته طريقهما.
إننا نعتقد في كثير من الأحيان أن السعادة تائهة بسبب المكان والزمان، لأننا لم ننظر إليها داخلنا. سألتني "سعاد" يوم صارحتني بخيانتها إن كنت سعيداً في حياتي معها، وجدت نفسي تائهاً أمام سؤالها ..
“ لقد كانت قبلة واحدة .. لكننا بقينا سوية لليلة كاملة، لقد نمت فيها على ذراعه بين أحضانه، لقد تنفسنا ذات الهواء واستنشقنا بعضنا البعض.”، قالت لي يومها وهي تحاول أن تجفف دمعها الذي لم يكن ليتوقف، عندها توقفت عن تصفيف شعري لأرمي بنفسي على الطاولة وأبدأ بتحطيم كل ما عليها. كانت ردة الفعل التي انتظرتها منذ عشرات الدقائق، منذ سنين ربما أن يتحرك بي شيء .. لقد كنت أعيش معها أيضاً أسعد أيام حياتي فلم تكن امرأة متطلبة ولم تكن تلك الزوجة المتحكمة، هي لم تطلب مني يوماً أن أعطيها تقريراً عن عملي أوكيف أمضي وقتي أو مع من أخرج أو إلى أين..
لقد أحبتني بصدق فكانت تفعل كل ما يسعدني، لكننا وصلنا إلى تلك المرحلة التي كان لقاؤنا فيها يقتصر على السرير، نمارس الحب بعنف وشغف ثم يعود كل منا إلى حياته التي ليس للآخر فيها بشيء.
حتى مائدة الطعام أصبح من النادر أن نتناول طعامنا عليها، أما صالة الجلوس فكانت لاستقبال الضيوف .. كان حدثاً مميزاً أن نشاهد فيلماً سوية أو نقضي أمسية معاً، كان الحديث بيننا لا يتجاوز الخمسة عشر دقيقة نناقشان فيها أهم الأمور المتعلقة بحياتنا المشتركة ثم يمضي كل منا إلى حياته التي يتفرد بها. لكن للواقع لم يكن هذا الأمر يؤثر على أي منا حينها.
كنا سعيدين أو ربما لم يكن لدينا الوقت لنفكر في إذا ما كنا كذلك أم لا ..
“ هل أنت سعيد معي يا “مروان”؟ “ .. قالت لي منتظرة أن أعقب بشيء على ما قالته، لكنني كنت أحتاج لوقت طويل حتى أفكر فقط بالإجابة، قد تبدو لك كمشاهد الأمور بسيطة بين أن تقرر بلحظة إذا ما كانت إجابتك ستكون نعم أم لا، لكن بالنسبة له فإن هذا السؤال أدخلني في دوامة لم أكن أرغب في أن أدخلها في ذلك الوقت تحديداً.
هل أرادت أن تبرر لي فعلتها .. لا أعتقد .. فامرأة مثل “سعاد” بتلك الثقة والقوة لن تحتاج إلى مثل هذا السؤال لتبرر خيانتها، فهي التي كانت تقول دوماً بأن خيانة المرأة لا تغتفر لأن المرأة لا تقع بشرك الغريزة ولا تقيم علاقة بحجة النزوة، فهي تحتاج إلى عاطفة جياشة لتقودها نحو سرير الخطيئة! وبالنسبة لها كانت تلك القبلة خطيئة لا تغتفر.
وأنا و"فؤاد" وهي لا أحد منا استطاع أن يغفر .. لنفسنا أولاً .. من ثم لامتلكنا ربما القدرة حينها على أن نغفر لما تبقى!