و انت في السابعة يتفتح عالمك فجاة لتكتشف انك جزء من كون كبير جدا.
و تدرك أشياءا يستوعبها عقلك لاول مرة رغم أنها كانت حقيقة حاضرة في حياتك مذ ولدت
تكبر و تختلط فتكتشف انك مركز الكون في عالم صغير حدوده سور يفصل منزلك عن الشارع و المنازل المجاورة،
و عن اطفال اخرين و أسر اخرى و اشخاص هم ايضا مركز الكون بالنسبة لآخرين يهتمون لامرهم،
و يبدأ صراعك في اثبات قيمتك و ذاتك و اهميتك وسط الحشود،
و يبدأ الاخرون في تقييمك، معلموك، و أصدقاءك و عائلتك و الناس في الشارع و في ساحة الألعاب و في الصف و في محل البقالة،
اولا تحاول ان تفلح في المدرسة حتى ترضى عنك امك و تضع لك معلمتك شارة التميز و تصبح النجم المفضل بين اقرانك،
ثم تكتشف ان التفوق وحده لا يكفي خاصة مع كثرة المنافسين و تراجع اداءك مع تقدمك في العمر،
و تحاول ان تكون شبكة علاقات اجتماعية و صداقات و معارف تكون الدرع الجديد الذي ستخرج للمجتمع من خلاله،
فتسعى لأن تكون جميلا و محبوبا و خفيف الظل و ملماً بكل ما يحدث حولك حتى لا يُنظر اليك كمتخلف غبي يغرد خارج السرب و لا يطرب،
و لكن هذا لا ينجح أيضا و ان نجح فلا يدوم طويلاً،
فتحاول ان تكون نفسك بعيوبك بميزاتك،
و من شاء فيستطيع ان يحبك لنفسك و من لم يستسغك فليكرهك كما يشاء،
و النتيجة طبعا بقيت كما هي،
و كما ترافق العروض المسرحية فرقة موسيقية،
ترافقك في رحلتك مجموعة من الظروف الخاصة و العامة التي مهما شرحناها قد لا نوفيها حقها من البشاعة و الصعوبة و لن تكفي كل الكلمات لتصف مدى الالم الذي تسببت به لك،
و النتيجة الطبيعية هي ان تفشل في كل ما جربت ان تفعله و في كل مرة تحاول ان تنجح فيها،
و ها انت ذا تحاول منذ ولدت ان تخرج من الزجاجة التي وُلدت في قعرها،
و لكن رحلتك المضنية توقفت بعد فترة قصيرة نسبياً و وجدت نفسك محشوراً في عنقها ،
و مكثت على هذا الحال مدة طويلة من الزمن،
و كل محاولاتك في التقدم إلى ما وراء الزجاجة أصبحت محاولات للخروج منها فقط،
و لم تعد ترى الأفق بوضوح منذ وقت بعيد،
لم تعد ترى سوى سدادة ضخمة تغلق عالمك باحكام و ممر زجاجي ضيق تنحشر فيه رغما عن انفك،
فلم تعد الخطوات تشغلك و لا الطموح و لا الانجازات،
لم تعد الخطط الخمسية و العشرية و المئوية تعني لك شيئا،
انت فقط تستهلك الوقت كالوقود لتضيء به طريقك حتى لا يقضي عليك الظلام قبل أن تخرج من هذا المأزق،
وتحرق الساعات و الدقائق و الثواني،
و تتكيف مع شلل الانتظار،
و لم تعد تحسن السير في اي اتجاه،
و لكن العمر لا ينتظرك، و الحياة لا تنتظرك،
و في الوقت الذي تتعثر فيه خطواتك المرهقة ، تتسارع خطواتها،
و ان تلحق بها أو لا تلحق هو أمر لن يوقفها عن المضي قدما و لا يعنيها بالمرة، بل يعنيك انت وحدك،
ثم تمر بضعة سنين اخرى تكبر فيها كثيرا بعد عمر طحنته الالام،
و يلفظك عنق زجاجتك الفارغة إلى العالم مع الكثير من الحشرات المقززة،
و تكتشف بانك تحولت الى فاشل كبير جدا،
يتعامل معه الناس كبطل حرب سابق ولت ايامه و لم يربح الحرب او كناجح مغرور فقد قدرته على النجاح،
فلا تكسب تعاطفهم و لا محبتهم و لا تشجيعهم،
بل تجد عندهم في افضل الاحوال شفقة قاسية تنال من كبرياءك،
و في اسوئها،
شماتة قذرة لا يتكبدون عناء إخفائها في عيونهم و لا في السنتهم،
و لا يبقى في قلبك الا مرار غاضب، عاصف و نقمة،
لا يلبث أن يتحول فيما بعد إلى سكينة و هدوء،
لأن المحطة الأخيرة باتت أقرب اليك اليوم من البارحة و هذا العمر الذي اذاك لم يبق فيه شيء،
و الوقت وقود،
و انت خبير في حرق الايام.
-
كاتبةJournalist, feminist and writer