العمر الذي لم يبق فيه شيء! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

العمر الذي لم يبق فيه شيء!

  نشر في 23 فبراير 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

و انت في السابعة يتفتح عالمك فجاة لتكتشف انك جزء من كون كبير جدا. 

و تدرك أشياءا يستوعبها عقلك لاول مرة رغم أنها كانت حقيقة حاضرة في حياتك مذ ولدت 

تكبر و تختلط فتكتشف انك مركز الكون في عالم صغير حدوده سور يفصل منزلك عن الشارع و المنازل المجاورة،

و عن اطفال اخرين و أسر اخرى و اشخاص هم ايضا مركز الكون بالنسبة لآخرين يهتمون لامرهم،

و يبدأ صراعك في اثبات قيمتك و ذاتك  و اهميتك وسط الحشود،  

و يبدأ الاخرون في تقييمك، معلموك، و أصدقاءك و عائلتك و الناس في الشارع و في ساحة الألعاب و في الصف و  في محل البقالة،

اولا تحاول ان تفلح في المدرسة حتى ترضى عنك امك و تضع لك معلمتك شارة التميز و تصبح النجم المفضل بين اقرانك،

ثم تكتشف ان التفوق وحده لا يكفي  خاصة مع كثرة المنافسين و تراجع اداءك مع تقدمك في العمر،

و تحاول ان تكون شبكة علاقات اجتماعية و صداقات و معارف تكون الدرع الجديد الذي ستخرج للمجتمع من خلاله،

فتسعى لأن تكون جميلا و محبوبا و خفيف الظل و ملماً بكل ما يحدث حولك حتى لا يُنظر اليك كمتخلف غبي يغرد خارج السرب و لا يطرب،

و لكن هذا لا ينجح أيضا و ان نجح فلا يدوم طويلاً،

فتحاول ان تكون نفسك بعيوبك بميزاتك،

و من شاء فيستطيع ان يحبك لنفسك و من لم يستسغك فليكرهك كما يشاء،

و النتيجة طبعا بقيت كما هي،

و كما ترافق العروض المسرحية فرقة موسيقية،

ترافقك في رحلتك مجموعة من الظروف الخاصة و العامة التي مهما شرحناها قد لا نوفيها حقها من البشاعة  و الصعوبة و لن تكفي كل الكلمات لتصف مدى الالم الذي تسببت به لك،

و النتيجة الطبيعية هي ان تفشل في كل ما جربت ان تفعله و في كل مرة تحاول ان تنجح فيها، 

و ها انت ذا تحاول منذ ولدت ان تخرج من الزجاجة التي وُلدت في قعرها،

و لكن رحلتك المضنية توقفت بعد فترة قصيرة نسبياً و وجدت نفسك محشوراً في عنقها ، 

و مكثت على هذا الحال مدة طويلة من الزمن،

و كل محاولاتك في التقدم إلى ما وراء الزجاجة أصبحت محاولات للخروج  منها فقط، 

و لم تعد ترى الأفق بوضوح منذ وقت بعيد،

لم تعد ترى سوى سدادة ضخمة تغلق عالمك باحكام و ممر زجاجي ضيق تنحشر فيه رغما عن انفك،

فلم تعد الخطوات تشغلك و لا الطموح و لا الانجازات،

لم تعد الخطط الخمسية و العشرية و المئوية تعني لك شيئا، 

انت فقط تستهلك الوقت كالوقود لتضيء به طريقك حتى لا يقضي عليك الظلام قبل أن تخرج من هذا المأزق،

وتحرق الساعات و الدقائق و الثواني،

و تتكيف مع شلل الانتظار،

و لم تعد تحسن السير في اي اتجاه،

و لكن العمر لا ينتظرك، و الحياة لا تنتظرك، 

و في الوقت الذي تتعثر فيه خطواتك  المرهقة ، تتسارع خطواتها، 

و ان تلحق بها أو لا تلحق هو أمر لن يوقفها عن المضي قدما و لا يعنيها بالمرة، بل يعنيك انت وحدك،  

ثم تمر بضعة سنين اخرى تكبر فيها كثيرا بعد عمر طحنته الالام، 

و  يلفظك عنق زجاجتك الفارغة إلى العالم مع الكثير من الحشرات المقززة،

و تكتشف بانك تحولت الى فاشل كبير جدا،

 يتعامل معه الناس كبطل حرب سابق ولت ايامه و لم يربح الحرب او كناجح مغرور فقد قدرته على النجاح، 

فلا تكسب تعاطفهم و لا محبتهم و لا تشجيعهم، 

بل تجد عندهم في افضل الاحوال شفقة قاسية تنال من كبرياءك،

و في اسوئها،

شماتة قذرة لا يتكبدون عناء إخفائها  في عيونهم و لا في السنتهم،

و لا يبقى في قلبك الا مرار غاضب، عاصف و نقمة، 

لا يلبث أن يتحول فيما بعد إلى سكينة و هدوء، 

لأن المحطة الأخيرة باتت أقرب اليك اليوم من البارحة و هذا العمر الذي اذاك لم يبق فيه شيء،

و الوقت وقود، 

و انت خبير في حرق الايام.



  • 1

   نشر في 23 فبراير 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا