.الأسبوع الأول من العام الدراسي مر على خير بمره دون حلوه,لم يتعلم التلاميذ فيه أي حرف..ليس هناك إلا المسخرة وتحطيم الآمال والإحباط ..المدرس البدين الذي سمى نفسه مربي صفنا مشغول بفطوره وبالتملق للمدير والمختار,المهم عندهم ألا يشتكي احد من أولياء الأمور أو الطلبة إلى إدارة التعليم.

أهل القرية يعانون من مزيج من السذاجة والخوف طبعا من المختار ومساميره(المدير والمدرس البغيض وبعض المدرسين).

يذهب الطفل صباحا إلى المدرسة لتلقي جرعة الإحباط قاطعا الأودية الوعرة وفي نهاية اليوم الدراسي يعود أدراجه منهكا محملا بالكثير من الحزن .

في احد الأيام سألته أمه:بابني,ما رايتك تفتح كتابا قط منذ دخولك المدرسة!لماذا لا تراجع دروسك؟!أملي أن تصبح طبيبا- هي أحلام الفلاحين وكأن الدراسة هي فقط الطب-

يا أمي,اقسم بالله أننا لم ندرس شيئا إلى الآن!!

ماذا تقول؟عندما يحضر والدك-اقسم بالله –انه سيعاقبك ,نحن أرسلناك للدراسة وليس للعب !!

"كان خوفه يعانق خوفه ويحنو عليه "

مرت الساعات وهو ينتظر قدوم والده ,تارة يبكي جزعا منه وتارة يأمل أن يصدقه.

مع الغروب جاء الوالد منهكا من العمل, فبادرته الوالدة :ابنك لا يصلح للدراسة,منذ أكثر من عشرة أيام لم أره يفتح كتابا,يذهب إلى المدرسة ويرجع

ويكذب علي لأني أمية لا اقرأ ولا اكتب أنهم لم يدرسوا شيئا إلى الآن!!

الأب بعصبية:تعال إلى هنا يا ولد,لماذا لا تدرس وتراجع دروسك؟! الطفل:اقسم بالله يا أبي أننا لم ندرس شيئا في المدرسة..

الأب:وهل تريد إقناعي أن الأساتذة قدموا إلى المدرسة لرؤية وجوهكم!على كل حال,سوف تضطرني لان اترك عملي غدا واتي الى المدرسة لاتأكد من صحة كلامك, وان كنت تكذب سيكون حسابك عسيرا..

في اليوم التالي ,قدم الأب إلى المدرسة,وتوجه مباشرة إلى غرفة المدير..

السلام عليكم يا حضرة المدير,ألقى التحية..

وعليكم السلام,يا أبو فلان..خيرا إن شاء الله؟

الأب:جئت اتأكد من صحة كلام الولد لانه يقول انه إلى الآن لم يدرس شيئا مع الأستاذ وأخاف أن يكون كاذبا!

المدير:يا أبو فلان مثله مثل باقي التلاميذ.

الأب : لم افهم,أنت لم تجبني! هل التلاميذ يتلقون تعليمهم أم لا؟

المدير:أتوقع إنهم يأخذون دروسهم !

الأب:تتوقع؟!هل هذا يعني انك لا تعلم شيئا عن مدرستك ؟!الست المدير؟

المدير:يا أخي, ألا يوجد عندي غير ابنك؟ عندي مائة وعشرين طالبا غيره,وهو ليس أفضل من ابن المختار ؟!

الأب:كلهم أمانة في رقبتك,أنت مؤتمن على جيل قادم,أين الذمة ؟أين الضمير؟

ثم استدرك قائلا:اقسم بالله لاشتكينكم إلى مدير التعليم وان لم يستجب سأذهب إلى الوزير شخصيا..

المدير:هل تريد إقناعي انك تحمل هم وطن ضيعه من تريد أن تشتكينا اليهم.. ابنك لن يصلح هذه الأمة.. افعل ما تريد!لكن قبل أن تذهب ,انا سوف اشتكي إلى المختار,لأنك تطاولت علي...

كان ذلك الطفل مشدوها وهو يستمع إلى النقاش !

مكتب مدير التعليم..

السلام عليكم,دكتور(عند الناس البسطاء ينعتون أي متعلم بالدكتور)

وعليكم السلام أخي الكريم

دكتور جئتكم مشتكيا على المدرسة التي يدرس فيها ابني..وأتمنى أن تنصفني,فالمدير متعنت وبصراحة لا يخاف ,وأتوقع أن هناك من يدعمه!

تفضل أخي الكريم,كلي آذان صاغية..

العام الدراسي بدأ منذ أكثر من عشرة أيام,والتلاميذ إلى الآن لم يتعلموا حرفا..هذا لا يرضي الله ولا يرضي عبيده..أليس هؤلاء التلاميذ هم بناة المستقبل؟!

بلا شك أخي,ولكنك لم تخبرني عن أي مدرسة تتحدث؟

يا دكتور,أتحدث عن المدرسة الفلانية,مديرها فلان وقبل أن يكمل كلامه فاجأه مدير التعليم بقوله:يا أخي توقعتك تتكلم عن إحدى مدارس العاصمة؟

وما الفرق يا دكتور,أليس الجميع هم أبناء هذا الوطن؟وقد يخرج من القرى من هو أفضل من أبناء العاصمة..

أجاب الدكتور:نحن لا نريد أن يصبح الجميع أطباء ولا مهندسين ,نريد أيضا عمالة ومهنيون..مزارعون,حدادون, نجارون وووو.

ولماذا تحدد مستقبل هؤلاء الفتية من الآن؟ألا يستحق الجميع أن يأخذ فرصته في الحياة؟ونستفيد من الأصلح!

أخي الكريم ,أنت تضيع وقتي بهذه المثاليات..

مثاليات يا دكتور؟! أنت المتعلم والمثقف من يقول هذا؟!

صمت الأب مذهولا من كلام المحترم..فالصمت هو الابلغ هنا..

"عندما تبدأ الكلمات بالتساقط,يأتي دور الصمت ليعبر عن معاني عجزت الحروف عنها"

خرج الأب الحزين يجر أذيال الفشل, ماذا يفعل ولمن يشتكي؟!

عاد الأب المنهك إلى بيته المتواضع,سارحا ومصدوما بكلام الدكتور يحاول أن لا يصدق ما سمع!!