كيف تطورت أمخاخنا
كانت نشأة الإنسان الأولى في بيئة محفوفة بالمخاطر والتهديدات، وسريعًا ما تستشعر أمخاخنا الأخطار التي تهدد حياتنا، لذلك كانت الأجيال الأولى منّا تواجه مخاطر هذه البيئة من حيوانات مفترسة وقلة موارد مهمة كانت تعجزهم عن سد إحتياجاتهم، وبعد إنتهاء هذه الفترة عرف كيف يبقى الاوائل منّا على قيد الحياة رغم المخاطر، لذلك عقب هذه المرحلة فطنوا إلى ما يجعل نسلهم في إستمرارية وهو البقاء على إتصال بينهم وتكوين العلاقات نظرًا لأن الوحدة لا تضمن لهم سوى الحكم على نسلهم بالإنتهاء!
عرف الإنسان أهمية القبول في حياتنا قديمًا، كان الأمر في البداية لإستمرار النسل إلا أن المخ طوّره حتى أصبحنا نتمنى الموت على أن نتعثر ونسقط أمام الاخرين، لأن مسألة القبول تعامل معها مخنا قديمًا على أنها مسألة حياة أو موت كمواجهة حيوان مفترس، ومن هنا سنفسر كيف يجد المخ تفاعلاتنا الإجتماعية أحداثًا مهمة وما هي أهمية أن ننال إستحسان الاخرين.
الإتصال في حياتنا
يوميا نتعرض لأحداث يتطلب فيها الحديث إلى الأخرين، الاستماع إليهم أو حتى إيماءة رأس حين تتعرف على وجه مألوفًا لنا بينما نمر بأحد الشوارع، لذلك نحن على إتصال بالاخرين دومًا، على اختلاف أنواع التفاعلات الإجتماعية إلا أن يومنا لا يخلو من ممارسة بعضها.
إن "مجمّع فاي" بالمخ هو الجزء المخصص لمعالجة التفاعلات الشخصية وهو ينشط عندما يتفاعل إثنان معًا على اختلاف نوع التفاعل، إذا ضحك صديقك عند إخبارك له إحدى النكات التي طالعتها صباحًا قبل ذهابك لمكان عملكما سيفيض عقلك بالمواد الكيميائية المسئولة عن الشعور بالمكافأة واللذة، لأن المخ يميل لجعلنا مقبولين في نظر الاخرين، على المستوى الكيميائي العصبي أي تفاعل إجتماعي إيجابي يؤدي إطلاق الأوكسيتوسين _أحد هرمونات السعادة الخاصة بالتفاعلات الإجتماعية_.
سعادة متضاعفة
المخ متطور لدرجة تجعله يستشعر التفاعلات من حوله، إذا شكى صديقك من صعوبة الإمتحان ستتعاطف معه، إذا أخبرك أحدهم عن خبر ترقيته ستسعد لسماعك الخبر، حتى إذا ماتت قطة جارتك التي تسلقت حديقة بيتك وعبثت بزهورها ستحزن لأنك تعلم كم كانت تعني للسيدة ميرا.
ممارسة الهوايات تجعل أمخاخنا تشعرنا باللذة، وحين تجد صديقًا سعيدًا بممارسة شيئا يحبه ينتقل لك شعوره الإيجابي، وحين تشارك أحدًا شيئًا تشعرك المشاركة بالقبول؛ لذلك جرب الثلاثة أشياء معا، شاهد فيلمًا لممثلك المفضل من الافلام التي يفضلها صديقك أيضًا وشاهدوها معًا، سيفرز المخ مواده الكيميائية التي ستشعرك بالإيجابية والقبول أكثر مما قد تفرزه حين مشاهدتك الفيلم ذاته وحدك.
النصائح من قبيل جد شخصًا تفعل معه هذا، أو تعرّف على أحد في الجامعة تذهبان معًا ليست نصائح عبثية أو لا تجدي نفعًا، فالتفاعلات الإجتماعية وشعور المرء بالقبول توازي سعادته عند زيادة راتبه، الشيئان يشعرانك بالمكافأة.
حين نقع في الحب
على اختلاف أنواع العلاقات التي قد تصادفها، قد تساهم علاقتك العاطفية في كونك سعيدًا وكذلك يمكنها أن تدمر حياتك، لنفترض أن حظك ساعفك لإيجاد علاقة سويّة مع شريك يهتم لأمرك، كيف يفسر المخ هذا التفاعل وهذه العلاقة؟
حين تقع في حب شخصٍ ما تظهر زيادة ملحوظة في مستويات الدوبامين _أحد الهرمونات المسئولة عن السعادة_ وهو هرمون مهم لعملية العاطفة!
يجعلنا الحب متوترين ومضطربين بعض الشئ، قد نصاب بالأرق احيانًا، تتغير دوافعنا لأن هناك شخص نبديه مشاعرنا وأولوياتنا الأمر الذي قد يجعلنا نتجاهل أصدقائنا أو بعض الممارسات المعتادة، وفقًا لذلك فإن عبارات من قبيل جنون الحب منطقية وليست من وحي خيال مؤلفي الروايات الرومانسية، فالأمر حتى هنا كيميائيًا بحتًا.
هذا تأثير الحب في البداية على الشركاء، فلنفرض أن الحظ ساعفك مرة أخرى وقدر للعلاقة الإستمرار فكيف يكون تأثير هذا على المخ وما هي المواد الكيميائية التي سيفرزها المخ أكثر؟
الفازوبريسين والأوكسيتوسين هما عنصران مهمان للحفاظ على علاقة طويلة الأمد، هناك بعض الدراسات التي تشير إلى أن الأزواج الذين كانوا معا لمدة طويلة ومازالت علاقتهم ناجحة وسعيدة لديهم نشاطًا في نفس المراكز بالمخ يشبه نشاط من وقعوا في الحب حديثًا.
الرجال التي تفرز فازوبريسين أكثر من غيرهم لديهم ميل للحفاظ على علاقاتهم لمدى طويل يجبرهم على التمسك بشركائهن، فهرمونات كالاوكسيتوسين والفازوبريسين تساعد في بناء إلتزامات طويلة الأمد.
من هنا نعرف حقيقة أن هناك أشخاصًا "ذكورًا وإناثًا" يميلون للإكتفاء بشريك واحد، وهو ما يسمى بالرابط الزوجي، وهذا الرابط لا يتكون فقط بين الأزواج، فقد يتكون أيضا بين الأصدقاء.
السلالات التي تفضل العلاقات طويلة الأمد لديها قدرًا من الذكاء يجعلها تحتاج هذا النوع من العلاقات، فبعض الدراسات كشفت عن زيادة حجم المخ عند هذه السلالات، والتفاعلات الإجتماعية تدل على ذكاء الشخص أو الحيوان _لأنها تتم بين الحيوانات كلها وليس عند البشر فقط_، والحفاظ على العلاقات يتطلب ذكاءًا وبالحديث عن الذكاء الاجتماعي تشير الأدلة إلى أنه خلال الثلاث ملايين السنة الأخيرة تمدد المخ البشري في الحجم بنسبة 250%، وكان جزء كبير من هذه الزيادة في القشرة المخية المنتجة للذكاء.
وتشير الأدلة كذلك للعلاقة الطردية بين حجم المخ وذكاء السلالات.
كيف يخفي الحب عيوب الاخرين:
الزيادة في الهرمونات التي يفرزها المخ حين نكون في علاقة عاطفية، أو حين نميل للإعجاب بشخص وتصديقه تزودنا بالشعور بالسعادة لذلك قد لا نستشعر بعض العيوب أو قد نميل للتصالح معها على أن ترك الشخص أو ننفصل عنه، والأجزاء المسئولة في المخ عن اكتشاف ومعالجة الأشياء التي قد تثير قلقك لا تعمل جيدًا حينها.
لذلك قد يخبرك بعض المقربين عن مدى سوء العلاقة التي ألحقت نفسك بها، لأن وسط هذا الفيض من المشاعر السعيدة جراء إفراز هرمونات كالدوبامين والأوكسيتوسين فإن قدرة المخ على إستشعر القلق تتضاءل، وهنا نجد التأثيرات السلبية للمواد الكيميائية التي قد يفرزها المخ حين نقع في علاقة غرامية، لأنها قد ترغمك على التمسك بأشخاص غير مناسبين أو لا يبادلونك ذات القدر من الحب والإهتمام دون أن ترى ذلك بشكل واضح.
-
Fatma tarikInterested in books, writing and self learning