" يمكنك أن تمتلك المليارات , أن تسافر حول العالم , أن تمتلك أسطولا من السيارات الفارهه أو حتى اليخوت إذا أردت , يمكنك أن تصبح من صنّاع القرار في العالم أو أن تكون شخصية العام على غلاف مجلة التايم , كل واحدٍ منا يمكنه أن يكون متميزًا وخارقًا. فجميعنا نستحق العظمة."
ربما يكون هذا هو ملخص معظم ما تطالعنا به كتب التنمية البشرية و صفحات الإنترنت و شاشات التليفزيون , و هذه العبارة رغم أنها تهدف لتحفيز الناس للقيام بأعمال عظيمة إلا أنها متناقضة في جوهرها و ذات تأثير سلبي , متناقضة : لأنه لو أصبح جميع الناس عظماء فلن يكون هناك أحد متميز حينها , و ذات تأثير سلبي : لأن الشخص عندما ينظر إلى حاله (العادي) سيرى نفسه ضئيلاً تافهاً فكيف لشخص (عادي) مثله أن يصبح عظيماً .
و هنا بيت القصيد , فعالمنا المعاصر يدفعنا دفعاً حتى نكون إستثنائيين خارقين و يرى أن الشخص العادي هو مجرد (فاشل) , و هو ما يدفع أغلب الناس للإحساس بالعجز فعندما ننظر لعدد سكان الكرة الأرضية (حوالي 7 مليارات نَسَمَة) سنجد أن هناك حوالي 1000 شخص فقط هم المؤثرون على العالم من حولنا , و هو ما يضع باقي سكان العالم في مواجهة صادمة مع أنفسهم لشعورهم بأنهم لا قيمة لهم و هذا ما يدفع بعض الناس للتضحية بحياته (العادية) التي يحبها و يحاول فعل أي شيء يجعله عظيماً و في النهاية يجد هذا الشخص نفسه لم يصل إلى العظمة التي كان يريدها و لم يحافظ على حياته (العادية) التي كان يحبها .
منحنى التوزيع الطبيعي :
ما يغفله الكثيرون أن لا أحد يمتلك جميع القدرات معاً : بعض الناس يولدون بقدرات جسدية هائلة , آخرون يولدون بمهارات عقلية فذّة , آخرون يولدون بمواهب فنية عالية , و مسار حياة الإنسان يتوقّف على مدى قدرته على إستغلال قدراته جيداً .
يُسمَّى هذا المنحنى ( منحنى التوزيع الطبيعي ) و هو يعبّر عن توزيع الناس , فإذا أخذنا كرة القدم مثالاً : أقصى اليمين هم الأشخاص المحترفون و أقصى اليسار هم الأشخاص الأسوأ بينما يقبع معظم البشر في المنتصف فهم عاديّون , و يمكن تطبيق هذا المنحنى على كل ما يتعلّق بالناس .
لماذا العظماء عظماء ؟
بالتأكيد يقفز هذا السؤال إلى أذهاننا عندما نشاهد أو نقرأ عن أحد العظماء : كيف وصل إلى هذا القدر من العظمة ؟!
عندما نُطالِع سِيَرهم نجد أن العامل المشترك بينهم هو حبّهم و إقتناعهم بما يفعلون و إصرارهم عليه , والت ديزني مثلا كان يعلم أنه موهوب في الرسم و إبتكار الشخصيات لذلك لم ييأس عندما طردته الشركة التي كان يعمل فيها بداعي أنه قليل الإبداع و أسس شركته الخاصة التي حققت نجاحاً باهراً , مثال آخر : السلطان محمد الفاتح كان مولعاً منذ صغره بالتخطيط العسكري لذلك أخذ على عاتقه مهمة فتح القسطنطينية و لم ييأس من صعوبة تحصيناتها .
فهؤلاء العظماء علموا قدراتهم و إستغلوها جيداً و وضعوا لأنفسهم أهدافاً بناءً على هذه القدرات و أصرّوا عليها و لم تثنهم الصعوبات , فهم لم يتصرفوا بعشوائية و لم يضعوا العظمة هدفاً لهم بل الإبداع , فقد أبدعوا فيما يجيدون فنجحوا , فلو حاول ميسي أن يحترف كرة السلة لما نجح, و لو حاول ستيف جوبز تأسيس فرقة موسيقية لما نجح أيضاً , هم فقط علموا قدراتهم و إستغلوها جيداً و وضعوا أهدافهم على أساس ما يملكون من قدرات .
و خلاصة القول : أنك إذا أحببت حياتك العاديّة التي تحياها فلا ضير أن تكون عادياً طالما أنك تحبها , و إذا أردت أن تكون متميّزاً فعليك أولاً أن تبحث عن مواطن القوة فيك و تعرف قدراتك جيداً و تضع على أساسها أهدافك و تُبدع فيما تجيد , أما الركض في جميع الإتجاهات دون هدف سوى أن يقول الناس عليك أنك عظيم , فلن تجني من ذلك شيئاً .
-
عمرو يسريمهندس مصري يهتم بقراءة التاريخ وسِيَر القدماء. أرى أن تغيير الحاضر، والانطلاق نحو المستقبل يبدأ من فهم الماضي.
التعليقات
فعلا تلك هي الخلاصة جميلة جدا جدا موفق يا عمرو
مقال جميل
العاديون يشكلون مع النخب منظومة انسانية متكاملة، كل يساهم في مشروع ما انطلاقا من موقعه ، من مهاراته ، من دوره الذي يؤديه مهما كان تافها أو بسيطا ، لكن التهافت على التميز والشهرة والتفرد يحطم هذه المنظومة ويبعثر الكفاءات والمهارات يمنة ويسرة .. مقال مهم فعلا .. وفكرة عميقةبحق ..شكرا لك
لو كل إنسان عمل في مكان قوته لأصبح متميزا.. فالطبيب الماهر متميز وسمكري السيارات متميز وكلاهما يحتاج الآخر ويقف أمامه كطفل صغير..
والسعادة تحقق بشيئين [ قوة الاتصال بالله + تحقيق الذات في الحياة ]