إذا كان الإنسان بأعضائه ومكوناته وتراكيبه وأجزاءه الخارجية يدعو للذهول والعجب, فمما لاشك فيه أن ما يملكه من شِقه الخفي وهي الروح وما تحويه من مشاعر وأحاسيس أشد عجباً وأدعى للتأمل والذهول, ذلك أن هذه المشاعر تختلف من حال إلى حال, والناس متفاوتون فيها, فلها أطباع وأوقات تكثر و تقل, تمتد وتتقلص, تتضائل وتتسع, خفة وثقلاً, انجذاباً ونفوراً, شقاءً وسعادةً.. وهي مما لا تدرك حقيقتها الأذهان, ولا تعرف كنهها العقول, ولكن قد يُعلم ما تستلزمه وما ينشأ عنها وكيف الطريق إليها.
لاشك أن الطمئنينة راحة للقلوب, وأن الإنسان يحصلها من خلال الرضى, والرضى لا يتأتى إلا من خلال القناعة, وذلك بأن يكون القلب مستكنٌ لما وهبه الله ورزقه إياه, فلا يمدن عينينه إلى من فوقه لئلا يزدري نعمة الله عليه. والإنسان متقلب في هذه الحياة ومراحلها وبين خطوبها وحوادثها, وكثير من الناس يصل إلى مرحلة يحصل فيها القناعة والرضا بما صار إليه, وهو يستشعر ذلك من نفسه ولاشك, لكن الناظر إليه وإلى أفعاله وأقواله لا يستشف منه هذا الرضى, بل قد يجده مايزال يجتهد في الإستكثار والتزود, ويلهث للحصول على المزيد, فهل هذا من التخبط؟! إن القناعة لا تعني الخمول والكسل, كما أنها لا تعني السعي بلا هدف ,بل إن القناعة هي الرضى مع السعي نحو الغاية المحمودة, فمجرد الرضى بلا سعي يسمى دعة وقلة حيلة, وأما السعي بلا رضى أو بلا غاية فيسمى تكثر وعنت ومشقة. والإنسان قد يكون قانعاً راضياً في نفسه إلا أن هناك من العوامل التي تؤثر عليه ما تجعله يظهر بصورة اللاهث وغير الراضي. ومن أهم هذه العوامل هم ما يحيطون بالإنسان من أفراد كالأبناء مثلاً, وذلك من أجل أن لا يحرمهم من شيء قد يتمنونه أسوة بمن حولهم ,ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الولد مبخلة مجبنة " أي أن الأبناء يدعون إلى البخل, وهل يبخل إلا من لم يكن بالرضى والقناعة متلبس. فعامل الأبناء عامل خارجي مؤثر على جوهر الإنسان, ومثله الحزن فليس كل من يحزن يكون حزنه في ذاته بل إن الحزن قد يكون نتيجة عامل خارجي كالحزن على حال الفقير أو المريض فمتى ما انتفى هذا المؤثر الخارجي انتفى الحزن عن الشخص, والقصد أن الإنسان قد يكون داخلياً متزن المشاعر وهو لا يشعر, لكن غاية ما يحتاجه أن ينفك عن المؤثرات الخارجية التي لها تأثيرها المباشر عليه, بالطبع ليس كل مؤثر بالمقدور الإنفكاك عنه أو التهرب منه, ولكن العلة في كثرة المخالطة والمجالسة والمشاكلة التي تولد هذه الأزمات لهذه النفوس, لذا كان الإستكثار من الشيء مما قد يؤثر على الإنسان ولو بعد حين, فالإستكثار من المال أو الجاه أو الأصحاب فيها من المغنم والمغرم ما فيها قال تعالى : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ) المؤمنون 55و56. والله عز وجل لم يأمر نبيه بالإزدياد من شيء أمره له بالإزدياد من العلم فقال تعالى : ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) طه:114 , ومثلها المطاعم والمشارب وتأثيرها المباشر على تلك المشاعر, فكم من إنسان يكون مزاجه سيء وصفوه متعكراً نتيجة الجوع وما أن يأكل حتى يصفو المزاج وتسعد النفس, وهو أمر مشاهد وملحوظ ولو زاد حتى وصل إلى حد التخم لوجد من نفسه الثقل وسوء الطباع والمزاج. فبقدر اقتصادك واعتدالك وابتعادك عن المؤثرات الخارجية التي غالباً ما تكون بسبب الشخص النفسه في جميع جوانب الحياة تكون مشاعرك وأحاسيسك متزنة فلا هي العبأ على النفس كما أنها راحة لهذه النفس.
طارق البوعينين-الشرق
مهتم بالقضايا الإجتماعية
@tariq1712
-
طارق البوعينينكاتب- مهتم بالقضايا الإجتماعية