الوهم و الواقع
" الإيمان القوي يمكن أن يجعل المرء يفني عمره في البحث عن أجارثا "
نشر في 25 شتنبر 2023 وآخر تعديل بتاريخ 25 شتنبر 2023 .
أيمكن لولع المرء أن يسول له أن التراب يمكن أن يكون ذهب ؟ أو أن وحش الكيميرا هو من أفتعل الخراب في اليونان قديما؟ هذا ما نتحدث عنه ، نتحدث عن شخص لم يعرفه أحدا قط ... مجرد اكتشاف ، اكتشاف بسيط جعل من ذلك الحالم المهوس إلي إحدي أشهر علماء الآثار من العلماء الأوائل ، عبقري في نظر جمهوره ، يُشار إليه بالإبهام " هاينريش شليمان " كان هاينريش الطفل الخامس لرجل دين بروتستانتي في شمال ألمانيا ، لن نتعمق في التواريخ و الأماكن لقلة أهميتها في نظري ، سنلقي نظرة علي حياة ذلك العالم ، كان هاينريش من أسرة قادحة لذلك وجود ذلك الولع الأدبي لم يكن بمحط اهتمام ، وقع هاينريش في حب قصائد هوميروس ؛ فكان والده يقص عليه قصصا من ملاحم هوميروس في كل مساء ، فأصبح مولعاً بقصصه و قصائده التي تعد من الأساطير ، خاصة الملحمتين الإلياذة و الأوديسة " في شيء من الإيجاز كانت الإلياذة تتحدث عن قصة الحصار اليوناني لمدينة طروادة أما الأوديسة فكانت تتناول إحدي مغامرات المحاربين اليونانيين . " يبدوان قصص أسطورية أخري تضاف إلي الميثولوجي الإغريقية لكن وقع تلك الأسطورتان كان مختلفاً علي هاينريش ، فقد أغرمت روحه بتلك الملحمتين، فقد البوصلة التي توجه ... التي تخبره بما هو حقيقي و ما هو وهم، سقط المنطق و أعتل الوهم العرش ، لم تكن حالته المادية كافية لردع تلك الأوهام، فلم يكن باستطاعته التعلم ، فتدرب ليصبح بقالاً لكن ما لبث و ترك ذلك العمل ليصبح بعد ذلك تاجر فاذ ، فقد كانت لديه موهبة التجارة و اللغات أيضا أستطع بعد عدة سنوات أن يصبح مليونيرا ليتقاعد بعدها ليتفرغ لملحمتيه وكان أول من بدأ في دراسة تاريخ اليونان القديمة و الحضارات المجاورة علي بحر إيجه ، كان إيمان هاينريش بتلك الملحمتين كافيا لبدا عملية التنقيب و البحث عن المدينة المفقودة التي ذكرت في الإلياذة ، أخذ يبحث في شتي بقاع الأرض أملا ليجد طروادة ، فكان يمتلك إيماناً راسخاً أن تلك القصيدتين العظيمتين كانتا سجلين تاريخيين دقيقين، أشتد ولعه لدرجة أنه تزوج من فتاة يونانية تبلغ من العمر سبعة عشر سنة بينما هو كان سابعة و أربعون سنة ، و في خلال مسيرته في التنقيب و البحث عن طروادة وجد الكثير من الكنوز و الغنائم جاعلا من زوجته كإحدي أميرات مدينة طروادة الأسطورية ، كان الأمر أشبه بالبحث عن سراب لكن هاينريش وحده لم يري ذلك ، إلي أن وجد جثث أثناء بحثة فأعتقد حينها أن تلك الجثث هم الأبطال الذي ذكرهم هوميروس بدون أي أساس علمي يثبت صحة اعتقاده، و كما هو متوقع كان الواقع بعيد كل البعد عن هوميروس فكانت الجثث لحضارة قديمة تدعي " الميسينية" كانت حضارة رائعة في العصر البرونزي أي بعد زمن هوميروس بكثير ، كانت جميع المؤشرات توحي بتوهم شليمان لكنه أبي أن يتنازل عن تلك الملحمتين إلي أن أكتشف مدينة طروادة المدفونة " أي تركي حالياً " ، لينتهي نحبه بعدما تخلص من لعنة تلك الملحمتين في إيطاليا . يعترني الفضول تجاه ذاك الإيمان القوي، ليس من اليسير أن يتمسك المرء بإعتقاده ضارباً المنطق و العلم عرض الحائط ...... أيمكن للمرء أن يجعل الوهم واقعاً ؟ أم أنها كانت مجرد معجزة عارضه ؟