لأنهما لم يفرغا طيلة اليوم من جراء العمل، لم يتمكنا من الالتقاء في ركنهما المعتاد إلا في ساعة متأخرة من الليل، وذلك رغم عِظم المناسبة .
في جلسة حميمة بعيدة عن والعيون والنوافذ المتلصصة، قدّم لها باقة عملاقة من أبهى الورود وقال :
- إليك ، يا وردتي النادرة، ويا هديتي، بعد انتظار سنين .
ثم أقبلا على كعكة عيدها، فنفخا على شمعتها الوهاجة معا، وحولهما هالة من الحب والنشوة والفراشات الزرقاء تحوم، وهما يخططان لأجمل الأيام القادمة ...
ثم مدّ يده إلى تلك الهدايا التي كانت تسترق النظر إليها بشوق وفضول وهي في مغلفاتها المغرية ذات الأشرطة المذهبة الشفافة، وشرع يقدمها الواحدة تلو الأخرى، هامسا :
- هذه ساعة لا تليق إلا بمعصمك البِضّ المضيء، حتى تريْني في كلّ أوقاتك... وهذا "إيشارب" وطربوش وقفازات من صوف بألوان مبهجة تتحدى برد الشتاء. أحب أن يسري فيك دفئي كلما ارتديتها ... وهذا الهاتف بشحنته ورصيده وكل تطبيقاته، بلمسة واحدة أكون أقرب إليك من حبل الوريد ... وهذه، (وكشف عن نظارات شمسية سوداء رفيعة) هذه كي لا يرى غيري جمال عينيك ، فأنا أحبهما لي وحدي ...
ثم أمسك بآخر صندوق وقال :
- افتحيه بنفسك غدا ، ارتدي ما اخترته لك وأنت تستعدين للذهاب إلى العمل، أحبك فائقة الأناقة يا حبيبة روحي .
مدت يدها إلى الشاشة وتناولت هداياه الواحدة تلو الأخرى، ورصفتها على منضدتها الملاصقة لسرير نومها بمتعة كبيرة، ثم أغلقت نافذتها الصغيرة وفصلت خط التواصل وأطبقت حاسوبها .
وفيما أطفأت نور الغرفة اشتعلت فوق مخدتها آلاف الأضواء ساطعة وردية تفيض من نور قلبها الزاخر بالأحلام التى ارتفعت بها عاليا بين أرق الغيمات ..
ولأنّ أحلامها كانت ثقيلة وعميقة وبعيدة، فإنها لم تنتبه أول ساعات الصباح إلى هاتفها الصغير وهو يلح في الرنين منبِّها.. نهضت عجلة وأسرعت إلى العلبة الكبيرة تفضها بلهفة، وتكتشف هديتها وتستعد لارتدائها. لكن سرعان مازال انبهارها باللون والتفصيلة لتحل محله الخيبة.. نظرت إلى المرآة ونزلت على خدها دمعتان حارقتان وهي تنظر إلى وزنها الزائد عن مقاسات الهدية .. تجرعت قهوتها دفعة واحدة ولم تجرؤِ على تناول قطعة صغيرة مما بقي من كعكة البارحة.. سوف تقتل نفسها حتى تكتسب خصرا يليق بذلك الفستان الجميل .. هكذا كانت تحدث نفسها حين خرجت تلاحق الأوتوبيسات والركوبات العامة لاهثة..
الكاتبة : لمياء نويرة بوكيل ــ تونس