هذه هي كلماتي الأولى..لكن هل لي برجاء ؟ هل يمكنكِ عدم الإفصاح عن اسمي أو هويتي ؟ ربما يُضفي ذلك بعض من الغموض و الإثارة على قصتي، قد يجعل الرحلة أكثر تشويقًا..لنبدأ إذًا.
كان الأمر مفاجئًا و غريبًا حين صحوت ذات يومًا و ادركت بأنني قد نسيت أمرًا هامًا، أحيانًا يُصاب المرء منا بالسهو و النسيان، إنه لأمر طبيعي، قد ينسى شراء شيئًا ما، ينسى موعدًا قد اتفق عليه أو مكانًا قد وضع به بعض الأغراض الخاصة به، ربما ينسى وعدًا قد قطعه على نفسه لكن هل يمكن أن ينسى الإنسان منا أن يعيش حياته ؟! نعم ممكن ، أنا قد فعلت.
استيقظت ذات يوم و شعرت بأنني قد نسيت شيئًا في غاية الأهمية، لم تكن سلسلة مفاتيحي التي طالما نسيتها أثناء ذهابي إلى العمل، مما كان يتطلب مني دخول شقتي عبر الشرفة الضيقة، ولم تكن الكعكة التي تركتها حتى تُخبز لنصف ساعة ثم سهوت عنها بينما اجلس على آريكتي و أشاهد فيلمي المفضل فاحترقت أولًا عن أخر، لم يكن شيئًا على الإطلاق مما ينساه البشر ولكن كانت حياتي، لقد نسيت أن أعيشها.
وجدتني منذ صغري هائمة في السعي وراء الأشياء، اخذت سنوات عمري في الضياع عام تلو الأخر، قُيدت أقدامي بينما أبحث عن أهدافي، طموحاتي، عن العمل الذي طالما تمنيته، اصابني التشويش و انعدمت رؤيتي وكأن أحدهم جاء بغطاء للعينين و البسني اياه دون أن أشعر فتوهت بينما أتجول في زحام شديد من البشر، أبحث بينهم عن وجهًا تألفه روحي، ظللت أفتش عن الصديق الوفي وعن الحب في أعين وقحة لم تحوي سوى الصقيع الأبدي.
استُنزفت طاقتي، واُهلكت روحي حينما تعثرت في رحلتي بأشياء لم تكن مناسبة يومًا لي و بأشخاص لم يكونوا سوى غرباءٍ ظننتني آلفهم، والمثير للسخرية بأنني لم اكن اتصور بأن هذا العالم يحمل إختيارات أخرى.
يبدو الأمر بسيطًا، مثلما تدخل إلى أحد المتاجر وتأخذ بأول قطعة تقع عيناك عليها، نعم هي بالتأكيد قطعة تُريدها في خزانتك، تحتاج إليها بالفعل لكنها مع الأسف القطعة الغير مناسبة، مقاسها لا يلائمك، لونها ليس المفضل إليك وخامتها لا تُريقك وقد تُسبب لك الحساسية..هي فقط "قطعة".
في الحقيقة كنت على جهل من كل تلك الأمور، فنسيت أن أعيش حياتي، رضيت بكل قطعة وجدتها في طريقي ظننًا مني بأنها جيدة و على ما يرام أو أن القدر هو الذي القي بها أمامي، ربما استسهلت الأسلوب أو أنني كنت أخشي بألا أحصل على أي شيْ!
غفلت أن الله يرتب لنا الأشياء بطريقة أفضل مما نسعى نحن لتحقيقها، يدخر لنا كل ما هو مثالي، مناسب و مطابق لحياتنا، وكأنها القطعة التي صُممت لنا خصيصًا و لن تناسب أي شخص أخر في هذا العالم.
مضيت في رحلتي بكل ما أحمله من طاقة سواء غضب،حب،عِناد،سذاجة،جنون وشغف، لكنني لم اكن احمل معي الشيْ الأكثر أهمية عن كل تلك الأشياء و هو الصبر.
كنت مُتسرعة بالدرجة التي جعلتني التقط القطعة الأولى من الأشياء جميعها في رحلتي، ظننت بأنها مناسبة أو على الأقل كافية، لم اكن ادرك بأنني فضلًا عن القطعة الأولى ربما استحق القطعة المميزة أو المثالية !
لقد تطلب مني الأمر تضحية كبيرة حتى أدرك الحقيقة، دفعت عمري ثمنًا للمعرفة و رغم ذلك لست نادمة على الإطلاق، إنني ممتنة لتفاصيل تلك الرحلة بكل ما فيها من تعثرات وعقبات، على الأقل لمست شيئًا من السعادة بعدما تجاوز سني ال70 عامًا، ربما لن أعيش حياة طويلة ولم يتبقى في عمري بقدر ما اُفنى لكنني أخيرًا وبعد طول إنتظار أرى ذلك البريق الذي طالما تحدث عنه الجميع من حولي و لم اره قط ،لم يعرف عنواني أو يدق بابي أبدًا، إنني اشعر بالسعادة، الراحة و السكينة.
اتمنى أن تُنقذ كلماتي أحدهم، ربما فتاة يفتك الحزن بقلبها أو شاب يغمر الألم روحه، اطمح أن تكون هذه الكلمات سندًا و عونًا لمن تُكبله دُنياه بالمسميات، بل أدعو أن تكون مفتاحًا يحرره من قيوده التي طالما منعته من الحياة وحالت بينه وبين السعادة و الطمأنينة.
ونصيحتي هي أن تترك كل شيْ للعناية الإلهية وستتفاجئ بأنك قد حصلت على أكثر مما تتمنى أو تحلم، فقط كف عن إختيارك للقطعة الأولى من الأشياء التي تقابلها في حياتك سواء إن كانت مادية أو معنوية، فلربما أنت تستحق أفضل من ذلك بكثير.
-
ريم ياسرهنا ستجد الحقيقة دون تزيف أو رتوش. An old soul who missed her way to ancient times & stucked in our life
التعليقات
جميل. تحياتي