تتمتع العفاريت بحس فكاهي و هي ذات خبرة في أمور البشر فقد صادف أن قابلت في أحد أيام الخريف التي أعشقها أحد أولئك العفاريت في أحد مقاهي القاهرة التي تعج بالرواد و قد حكي لي ذلك الصديق الجديد كيف أنه كان من عائلة عريقة و لكن أهله كانوا غير راضين عن تصرفاته الطائشة فقد كان معجبا بالشاعر الجاهلي طرفة بن العبد الذي قال في معلقته
وَما زالَ تَشرابي الخُمورَ وَلَذَّتي
وَبَيعي وَإِنفاقي طَريفي وَمُتلَدي
إِلى أَن تَحامَتني العَشيرَةُ كُلُّها
وَأُفرِدتُ إِفرادَ البَعيرِ المُعَبَّدِ
رَأَيتُ بَني غَبراءَ لا يُنكِرونَني
وَلا أَهلُ هَذاكَ الطِرافِ المُمَدَّدِ
و طاف ذلك العفريت الأرض - بعد طرده من السماء - و تقلب بين الحوانيت و صادق كواعب اترابا من بنات الإنس و انغمس في ملذاته و بات من أشهر صعاليك علب الليل بعدد غير قليل من عواصم العالم و قد حرصت علي صداقته فربما دعاني يوماً لإرتياد إحدي تلك الدور التي تمتلئ بالغواني الحسان.
لم تدم صداقتنا كثيراً فقد كان متقلب المزاج و له آراء متشددة كما نصحني أحد المشايخ بأن هذا الجني المستهتر سيورطني في مشاكل أنا في غني عنها حيث أنني أتمتع بقدر لا بأس به من السذاجة علي حد قولة و قد ندمت علي قبولي لنصيحة ذلك الشيخ الذي لعله كان يغار من صداقتي لذلك العفريت الذي هاجر إلي كوكب آخر فقد سئم البشر و أخذ يبحث في الكون الفسيح عن آخرين يؤنسون وحدته.