فلسفةالحياة فى القليل والكثير - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

فلسفةالحياة فى القليل والكثير

مقال بقلم / عبده عبد الجواد

  نشر في 07 فبراير 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

القليل ليس دائما الشيء التافه أو مايستحق الاحتقار فقد كان شرب(القليل) من الماء دليل إيمان جنود طالوت،وقد ينجيك من النار شِقْ تمرة ، وكذلك الكثير ليس مدعاة للفخر  فكثرة مالك وفرط سلطانك سيطيل وقت حسابك أمام الله ،ومن يرزق بطفل صالح بار بوالديه خير من كثير عاقين أو فاسدين ، 

والرضا بقضاء الله وقدره من شروط الايمان ، وتقييم ماتملك فى الحياة أهو قليل أم كثير يخضع لعدة اعتبارات تجعلها نسبية من شخص لآخر فى ارتباطها بمستوى سعادته وحد كفايته وعوامل اخرى :

الحيز والنقيض :

 قد يتحكم فى نظرتك وحكمك على الشيىء أنه قليل أو كثير نطاق الحيز الذى يشغله ذلك الشىء وزاوية رؤيتك وتقديرك له فترى الماء قليلا اذا وضع فى اناء كبير بينما لو صببت نفس القدر من الماء فى إناء أصغر ووجدته ممتلئاً فستشعر أنه كثير رغم انها نفس الكمية ! فقناعتك ورضاك عن رزق ربك ولو قليل يملأ إناء ذاتك ويرضيها .

ولن تشعر أنك تتحرك الا إذا نظرت على جسم ساكن ولن تستشعر شدة جمال الأشياء الا اذا رأيت قُبحها،وقد يرضيك مرتبك القليل لأنه يكفيك، وقدتضيق نفسك بسرعة اذا وجدت من هو مثلك فى المؤهلات والخبرات أو أقل ويتقاضى أكثر منك وتتساءل: لم لاأكون مثله وأدخر بدلا من العيش الكَفَافْ ؟!

الحالة النفسيةو شدة الحاجة : 

دائما يُضرب المثل عن الشخص المتفائل بأنه يرى النصف المملوء من الكوب ،والمتشائم لايرى سوى النصف الفارغ فالأمر يتوقف على حالته النفسية ، والظمآن شديد الظمأ يشعر أن بضع قطرات من الماء مهمة وكثيرة ويتناقص هذا الاحساس تدريجيا مع ارتواء ظمئه وتلك نظرية اقتصادية تتعلق بالحاجة وحد الاشباع .

المستوى الاجتماعى والاقتصادى : 

تجد أن قليلاً من الطعام حتى لو كان مستخرجاً من أكوام القمامة قد يرضى ويسعد أسرة فقيرة والكثير من الطعام الفاخر المتنوع قد لايرضى أفراد أسرة غنية اعتادت أطيب الطعام،وقد تجد بواب أى عمارة فى منتهى السعادة هو وأسرته بتعودهم الجلوس لقليل من الوقت على رصيف العمارة مع نسمات العصر فى الوقت الذى قد لايرضى أسر الأغنياء ولايسعدهم الكثير من الوقت يقضونه فى أفخم المطاعم والمنتزهات على ضفاف النيل أو على شاطيء البحر .

قدر الحاجة والكفاية : 

لانشعر غالبا بقلة مانملك الا اذا لم يكفى حاجتنا فاذا كفانا ببركة الله فهو كثير، والقليل الذى يكفيك خير من كثير لاتؤدى حق الله فيه بالشكر وتُحاسب عليه ،فلنكن كالصياد فى البحر يرمى شباكه ويرضى بما يرزقه الله قليلا كان أو كثير ، وكما فى الحديث الشريف :(قد أفْلَحَ مَنْ أسلم ، ورُزِقَ كفافاً ، وقَنَّعه الله بما آتاه)- والكفاف:هو حد الكفاية بلا زيادة أو نقصان .

وهكذا فان فلسفة الحياة للقليل والكثير نسبية

وتتوقف على عوامل حياتية مختلفة وقد ذكرت الآية الكريمة " كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً باذن الله " (البقرة249) -وهكذا فقوة القلة من الجنود مستمدة من الايمان بعون الله وليس بكثرة عددهم و عدتهم ، وكذلك ذكر القرآن فى موضع آخر" وأعدوا لهم ماأستطعتم من قوة "(الانفال 60)- أى ماتقدرون عليه من جنود وعتاد فالنصر ليس بالكثرة ولكن بقلة مؤمنة بالله وأن النصر حتما من عنده فقط .

وشخصية الانسان هى بمثابة الاناء الذى وفقا لما فيه من ايمان وخبرة وتجربة وقناعة تتشكل نظرته الموضوعية للامور دون إفراط أو مبالغة ويتمكن من جعل المحيطين به من زوجة وأولاد وأصدقاء ومحبين يستقون من هذا الاناء ، ويتأثرون به رغم صعوبة وتنوع الظروف الاقتصادية والاجتماعية ، تلك النظرة التى بناء عليها ينظر بتفاؤل ويرى جمال كونه ونصف الكوب المملوء من داخله ،ويقنع بحالِهِ ويرضى برزق الله ويستشعر قيمة نعمه ، "وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها"(النحل18) -فدائما ماتُذْكَر النِعم بصيغة المفرد"نعمة الله" فكل نعمة تحتوى على الكثير من النعم لمن يتأمل ويتدبر ،ودائما مايوصف صفوة المؤمنين بأنهم (قليل) لتميز ايمانهم، ويذكر متاع الكافرين من الدنيا بأنه (قليل ) لوضاعة قيمته وان كثر !

ويُذكر لفظ (الكثرة)مع الفسوق والاسراف والكفر ، وحتى الكلام (الكثير)- ليس فيه خير- إلا لأمر بمعروف أو صدقة،وقد جعل الله النبى صلى الله عليه وسلم يرى حجم المشركين فى منامه (قليل) ليحفزهم على القتال ،وعفا الله عن (كثير) مما أُخفى عن الناس من الانجيل والتوراة باظهاره ونزوله فى آيات القرآن وكذلك أعاننا على تحمل المصائب التى هى حصائد أعمالنا وفى الموضعين ذكر "ويعفو عن كثير" .(المائدة 15)(الشورى 30).

وأخيرا فان هناك من الأشياء مايجب أن يشغل ذهننا وجود( القليل) منها فى نفوسنا أو فى الآخرين مثل الأمانة والالتزام بالمبادىء والقيم والدين والأخلاق والعدل و..و.. وهناك أشياء أخرى يجب أن يقلقنا وجود (الكثير) منها مثل الفساد والخيانة والجهل والظلم ولايحتاج الأمر بمجتمعاتنا  الى دليل ،فلاتغرنك الكثرة فليست دليل الجودة أو الخير حتى لو اجتمع عليها البشر .

للتواصل: https://rwaealfekr.blogspot.com.eg/

https://abdougawad.blogspot.com.eg/


  • 27

  • Abdou Abdelgawad
    رحلتى الطويلة مع عشق الكلمات لسنوات هاويا، تحتوينى كلماتى أحيانا وفى أخرى أحتويها ، كفانى أراء وحب الأصدقاء كأوسمة ونياشين تفيض بها ذاكرة عمرى ، وسيظل عشقنا الكبير حتى يتوقف بنا قطار الحياة، وحينها ستبقى الكلمات شاهدا ...
   نشر في 07 فبراير 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

صدقت أستاذنا وأبدعت , نفع الله بعلمك , في إنتظار المزيد من إبداعاتك أستاذنا .
1
Abdou Abdelgawad
هذا من فيض ذوقكم وحسكم الرفيع جزيل الشكر.
hiyam damra منذ 5 سنة
مقال رائع يشتمل على الحكمة في إدارة الموارد والموازنة في إدارة الانفاق طالما المسألة تتعلق بقدرتنا على التحكم بالعقل وعلى اقناع هذا العقل بالكفاية والرضى فيستقر هذا الشعور داخل النفس ويعكس أثره الايجابي على رضى النفس، وإدراك نقطة مهمة للغاية أن السعادة ليس ما تصنعها لنفسك وليس ما يأتيك بها المال.. تسطيع امتلاك المال لكنه لا يشتري السعادة ولا يبيعها، قد تكون سعيدا قانعا وأنت تملك حدود الكفاف، وقد لا تملك السعادة وأنت تملك وفرة عظيمة من المال الأمر منوط بالعقل وتحكمه بالنفس والقناعة بالأرزاق .. فكر محوري رائع يمتلك اتساعاً في سقف المعرفة وعمقاً في الوعي والإدراك حد الاشباع.. سلمت الأيادي وهذا الفكر الناضج وتحية من الأعماق
2
Abdou Abdelgawad
شكرا استاذة هيام راى محفز أضعه تاجا على رأسى من كاتبة متمكنة مثلكم .. تحياتى جزيل الشكر
hiyam damra منذ 5 سنة
مقال رائع يشتمل على الحكمة في إدارة الموارد والموازنة في إدارة الانفاق طالما المسألة تتعلق بقدرتنا على التحكم بالعقل وعلى اقناع هذا العقل بالكفاية والرضى فيستقر هذا الشعور داخل النفس ويعكس أثره الايجابي على رضى النفس، وإدراك نقطة مهمة للغاية أن السعادة ليس ما تصنعها لنفسك وليس ما يأتيك بها المال.. تسطيع امتلاك المال لكنه لا يشتري السعادة ولا يبيعها، قد تكون سعيدا قانعا وأنت تملك حدود الكفاف، وقد لا تملك السعادة وأنت تملك وفرة عظيمة من المال الأمر منوط بالعقل وتحكمه بالنفس والقناعة بالأرزاق .. فكر محوري رائع يمتلك اتساعاً في سقف المعرفة وعمقاً في الوعي والإدراك حد الاشباع.. سلمت الأيادي وهذا الفكر الناضج وتحية من الأعماق
1
Abdou Abdelgawad
شكرا جزيلا لحضرتك
Mohaamed محمد منذ 6 سنة
مقال فلسفي علمي ديني يعجز معه اللسان عن النطق إلا بكلمة " الله " . أبدعت أستاذنا و ووضحت حقيقة الدنيا و الرضا و لكن كم من كثير يجهلون هذه الحقيقة !
1
Abdou Abdelgawad
شكرا جزيلا لمتابعتك واهتمامك وذوقك الرفيع استاذ عبد الحفيظ
Mohaamed محمد منذ 6 سنة
مقال فلسفي علمي ديني يعجز معه اللسان عن النطق إلا بكلمة " الله " . أبدعت أستاذنا و ووضحت حقيقة الدنيا و الرضا و لكن كم من كثير يجهلون هذه الحقيقة !
1
السلام عليكم و رحمة الله
سيدي الكريم رجاءا ماذا تقصد بقولك :
نظرية اقتصادية تتعلق بالحاجة وحد الاشباع
هل هي فعلا نظرية اقتصادية ام نظرية اكتفاء الذات بما وجد.,و الاكتفاء هو حالة أخلاقية أكثر منها اقتصادية في تفكير و توجه عملي بحت
مجرد تفكير مني وقد اكون على خطأ فأرجو التقويم من حضرتك
1
Abdou Abdelgawad
شكرا جزيلا استاذتنا الفاضلة على المتابعة والاهتمام والمشاركة التى تعتبر بالنسبة لى محط اهتمام واستفادة كبيرة من خبرتكم العلمية- اما بالنسبة لسؤال حضرتك فقد درست قديما فى الجامعة نظرية اقتصادية تسمى نظرية المنفعة الكلية والمنفعة الحدية وحد الاشباع وسوف أحاول تلخيص هذا الأمر قدر المستطاع فعلم الاقتصاد هو أحد العلوم الاجتماعية التى تهتم بعمل توازن بين الاسراف والتقتير فى الموارد الاقتصادية فهو فى نطاق المنزل توفير المال اما على مستوى المجتمع فهو ادارة الموارد المتاحة خصوصا مايتميز بالندرة من اجل الاستغلال الأمثل عن طريق دراسة( الانتاج والتوزيع أو الاستخدام) ، ( العرض والطلب ) وغيرها وأعود لمثالى الوارد فى المقال فحسب النظريات الاقتصادية فان الظمآن شديد الظمأ اذا كان يروى ظمأه ملء الكوب( فهذا الماء يسمى المنفعة الكلية) وأما مدى حاجته للجرعة الأولى والذى يكون فى أعلى درجاته ( يسمى المنفعة الحدية) حتى نصل للجرعة الأخيرة فى الكوب فيصل للاشباع وعندها يكون ( حد الاشباع والمنفعة الكلية 100%) والمنفعة الحدية (صفر) أخيرا أشير الى أن أشهر العلماء فى هذا المجال ( ابن خلدون-آدم سميث-ريكاردو- كارل ماركس- كينز ) ولكل منهم وجهة نظر بين الاقتصاد الحر أو الرأسمالى والاشتراكى والمختلط .
أرجو ألا أكون قد أطلت بما يضيق منه النفس وشكرا لكم.
.سميرة بيطام
شكرا لحضرتك على الشرح
أتساءل مرة أخرى : ان كان في عقولنا متسع من فهم نظريات اقتصادية تفي بالغرض و ما ذكرته آنفا يعد ارث اقتصادي لا يستهان به ، سؤالي هو :لماذا لم تطبق الدول العربية هذه النظريات للخروج من أزماتها ؟ و لماذا نشكو تأخرا في النمو في حين فيه استراتيجيات كآليات لمشاكلنا الاقتصادية
مرة أخرى شكرا لكم
Abdou Abdelgawad
لقد طبقت الدول العربية بالفعل سيدتى- كافة النظريات الاقتصادية والتى ترتبط بمزاج النظام الحاكم فهى أحيانا اشتراكية ماركسية تجعل الدولة تتحكم فى كل شىء والجميع عمال عندها ، وأحيانا اخرى نظام رأسمالى حر بالنكهة الأمريكية والتى تجعل رؤوس الأموال الخاصة هى الأهم ، وأحيانا أخرى نظام مختلط فصار ت الأنظمة الاقتصادية تترنح بعيدا عن النظام الاسلامى وحال كل الدول العربية لايخفى على سيادتكم أو على أقل المتابعين اهتماما بالاقتصاد حيث المشكلة الأساسية ليست فى النظام الاقتصادى ولكن فى ادارة الموارد البشرية وتوظيفها لنمو الانتاج وبالتالى الارتفاع للمتوسط العام لدخل الفرد والتغلب على التضخم -تحياتى لكم .
كادي مصطفى منذ 6 سنة
قد يخرج هذا المقال عن نطاق المنطق قليلًا فمثلا ان وضعت الماء في وعاء كبير ومن ثمة صغير فسأستوعب ان الأناء صغير جدًا
اتريد من الناس ان تبقى جائعة لكي لا يتدمر الأقتصاد؟ العاقل هو من يقدر كل قطرة ماء ولو كان لديه الكثير من الماء
وأنصحك ان تجعل الفصول اطول بدلًا من ان يكون الفصل اربع سطور!
وشكرًا
0
Abdou Abdelgawad
وجهة نظرك محل تقدير وسوف أستفيد من نصائحك بالتأكيد شكرا لمتابعتكم
آلاء بوبلي منذ 6 سنة
كلام جميل ورائع
1
Abdou Abdelgawad
شكرا لك عزيزتى جزيل الشكر
Salsabil Djaou منذ 6 سنة
ابدعت سيدي ،مقال رائع بدون مجاملة ،وقد جمع مقالك بين صفة القناعة والتفاؤل والرضا بعطاء الله ومفهوم السعادة ..افكار كثيرة ، صدقا اظن ان تعليقي بسيط بالنسبة الى قيمة مقالك المعنوية التي يمثلها للكثيرين .بانتظار مقالاتك القادمة ،دام قلمك سيدي .
1
Abdou Abdelgawad
شكرا جزيلا لمتابعتك وتقديرك الدائم جزاك الله خيرا
Salsabil Djaou
وجزاك الله عنا كل خير سيدي الكريم.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا