في وداعات دمشق .. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

في وداعات دمشق ..

" دمشق اللانهاية "

  نشر في 27 ديسمبر 2016 .


الجو بارد، والسّماء قد فتحتْ باباً من غيثها العذب، أرصفتها ضيّقة لكنّها تتّسعُ لسكّان البسيطة، أشجارها الدَّوح يحتمي بها بائع الكتب، السّماء متكحّلة بغيمها الأسود، حجارتها السّوداء المرصوفة بإتقان تُشعركَ بأنّها من صنع الملائكة، لا البشر ،تبلّلتْ فبانَ سوادها ، فرأيتُ وجهي في حجارتها المملوءة بماء المطر يتماوجُ مع كلّ هبّة ريح .....

ياسمينها العتيق الملتصق بجدرانها كرضيع يأبى أنْ يفارقَ أمَّه، رائحةُ الخبز الآتية من أزقّتها العتيقة تذكّركَ لا محالة بمحمود درويش عندما يقول " أحنُّ لخبز أمّي ..."

هكذا بدتْ دمشقُ عند زيارتي الأخيرة لها ..

أربعُ حروف من أبجديّتنا تشكّلها، فأخذتْ حجمَ أربع سماوات في قلبي من الحب ..

اسمها لا يكادُ يخلو من دواوين محمود درويش، صلّى لها الشّيخُ محي الدين فاحتضنَتْه، أبكتْ نزار قباني وكلَّ مَنّ زارها ...فكيف لا تُبكني ...!!!

مشيتُ في الحميديّة فاستقبلني بائعُ التّمر الهندي، وبضعةُ أمتار للأمام لم ترحمني مدقّاتُ " بكداش " تضربُ ... فأتوجع

كُتبُ نزار قبّاني - الذي ماتَ عاشقاً - تفترشُ الأرضَ، تحفظها الأرصفةُ عن ظهر قلب ....

في السّاحة التي يطلُّ عليها الأمويُّ عجوزٌ يستندُ إلى جدار أصفر اللّون، كان قد أتعبه حبُّها ....

احتسيتُ كأساً من الشّاي، والحماماتُ حولي تتناوبُ في الجلوس على مآذن الأمويّ ، في تلك اللحظة ... كم تمنيّتُ أنْ أكونَ حمامة !!!

لم أفلحُ بالتقاط صورة تجمعني بها، فتبيّنَ لي أنَّ ذاكرتي قد تولّتْ المَهمّة ...

ومضيتُ أسيرُ و أسيرُ و المطر يتساقط و أنا أشكره ، لأنّه أخفى دموعي

و مضيتُ تائهاً، لا أريدُ الخروجَ من روحي ....

بدتْ جميلةً لكنّها حزينة لفراق أبنائها ...

و ظللْتُ أتمتمُ سامحيني يا حبيبة ،المغفرة و الغفران لي ...

غمرني الهلع و مضيتُ هارباً، فوصلَ بي الطريقُ إلى قلعة دمشق، وبإحدى حجارتها مسحتُ دموعي .....

يومها، وجلُ اللّاعودة أضاقَ صدري ...

دمشقُ اللّانهاية .. أنت، لا نهايةٌ لك، سأظلّ أكتبُ لك، وعنك، للقيامة، وإنْ نفدَ ورقُ الأرض سأكتبُ على جلدي لئلّا يُمحى ....

في الغربة، لا ذكرى لي من دمشقَ سوى ياسمينة بيضاء استنشقها فتعيدني إليها ، فينفطرُ قلبي و تدمعُ عيناي .........


  • 3

  • Abdulhadi Al_Rakep
    من الشآم التي عبثاً تحاول مهازل الحياة أن تبعدنا عنها
   نشر في 27 ديسمبر 2016 .

التعليقات

بسمة منذ 7 سنة
وحدهم الذين تعايشو مع مدنهم وكأنها إنسان ؛ هم من يكتبو مثلما كتبت ..
خاطرة جدا رائعة تملؤها فيض مشاعر الفراق ...تحياتي .
1
Abdulhadi Al_Rakep
شكراً لك من القلب على المشاركة الجميلة التي ملأت قلبي فرحاً

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا