تأثير الأفكار والمعتقدات على السلوك - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تأثير الأفكار والمعتقدات على السلوك

  نشر في 19 ديسمبر 2020 .

لا تخشَ من جنونك في هذا الوقت، فإنه عالم أكمل. ابن سبعين الصوفي


ليست القضية قضية أفكار وفلسفة فقط، ولكن هذا يتعلق بصلب دراستي بعلم النفس، من حيث تأثير الأفكار على السلوك وتوجيهها. الأفكار هي من تقود السلوك سلبا أو إيجابا. يقول توماس بين: الإيمان بإله قاسٍ يجعل المرء قاسيا. والمعتقدات/الأفكار عندما تكون فاسدة تجعل المرء فاسدا. لذا يُلاحظ أن سلوكيات المسلمين (بدون تعميم) تنم عن فلسفة مشوهة رأسا على عقب. الأمر يصل إلى الحد الذي يعتبرون ما هو سيئ، هو جيد في حقيقته، وما يكون سيئا عندهم يعتبرونه جيدا. على غرار ما كتبت وأوضحت في مقالاتي السابقة. في بعض المواضيع وليس كلها. المهم أني معني بواقعي ومشاكله بحكم دراستي. هذا منبع الازدواجية والتناقض بسبب غياب فلسفة العقل وبسبب الجهل، البسيط، والمُركّب منه بالأخص.


لا نريد أن نبالغ في المثالية حتى لا نقع في بئر النفاق كحال المسلمين (بدون تعميم، فالتعميم خاطئ)، عبر إنكارنا لطبيعتنا المتأصلة وطبيعة الواقع الخارجي. ولا نريد أن نبالغ في الواقعية حتى لا تتفكك علاقاتنا وتنهار، ونقع في الظلم كحال الملحدين الصرف (مع أني لم أرَ ذلك فيهم، بقدر ما رأيته أكثر في المسلمين أيضا)، بسبب طبيعة الواقع القاسية والجافة بحقيقته وحقيقة طبيعتنا معه.


لكن ألاحظ وأرى أن أخلاق المسلمين هي أسوأ من غيرهم من بقية الأيديولوجيات الأخرى. أعرف ملحدين ومسيحيين كُثر، وأرى أخلاقهم جميعهم أفضل من أخلاق المسلمين. لماذا أرى الجميع أفضل من المسلمين بأخلاقهم؟ وهذا ما تشير إليه الاحصائيات الرسمية بشكل ضمني التي شاركتها بمقالاتي في الصفحة. يرجعنا هذا لموضوعنا ذاك كيف أن الأفكار تلعب دورا كبيرا بتوجيه السلوك سلبا أو إيجابا. 


النقد ينطبق على أصحاب الأيديولوجيات الأخرى وليس على المسلمين فقط، والمُحافِظة منها بشكل أساسي. ولكن لأن أيديولوجية المسلمين هي الأكثر إتساما بالحفاظ مقارنة بالبقية، يحظون بالقسم الأكبر من النقد. 


بل قد يقع النقد حتى على الملحدين بحال كانوا محافظين. فقد يكون الملحد محافظا على منظومته الفكرية والاجتماعية التي تربى ونشأ عليها، حتى لو كانت خطأ بكليتها أو ببعض أجزاءها. أو ليس شرطا حتى أن تنحصر في التنشئة والتربية في المعنى الأعم لذلك، وإن كان الأمر مخصوصا ومحصورا أكثر بموضوع التنشئة والتربية. 


لأن أصل الفرق بين الإتجاه اليساري، الذي يتبناه الملحدون عموما، والإتجاه اليميني، الذي يتبناه المحافظون عموما، هو أن الشخص اليساري، في معنى اليسارية، هو الذي يكون لديه القابلية لأن يغير أفكاره ومعتقداته حينما يدرك خطأها ويتراجع عنها، بغض النظر عن المصدر التي تجيئ منه، إن كانت دينية أم إلحادية، نشأ وتربى عليها أم لم ينشأ ويتربى عليها. أما الشخص المحافظ، في معنى المُحافَظة، هو الذي ليس لديه القابلية لأن يغير أفكاره/معتقداته، بغض النظر إن كانت صحيحة أم خاطئة. بل قد يتعصب لأجلها إلى حد التطرف على الرغم من كونها خاطئة.


قد يقول لي أحدهم أني نسيت موضوع النظام الاجتماعي والاقتصادي وجودة كل منهما وسوءهما بالمعادلة. لم أنسَ، لكن الموضوع هنا كله يتعلق بالفلسفة التي لدينا؛ الجهل البسيط والمُركّب، الأخلاق المشوهة ونحو ذلك. والآثار التي تنجم عنها لاحقا على واقعنا الاجتماعي، السلوك، التصرفات، العقل.


الإيمان الحقيقي بعقيدتي هو العدالة، الحرية، التسامح، الواقعية والمصداقية... مهما كان الإسم الذي يتبعه الشخص، بل حتى لو خالفه وأنكر الإنتماء إليه، وإن كان ملحدا. فهذا الإيمان والمؤمن.


والإلحاد هو أن يأتي بخلاف وضد ما سبق في ما يسلك ويتجه في الحياة، من الظلم، النفاق، الجهل بفرعيه، التعصب، الغش والغدر... مهما كان اسم الدين أو الأيديولوجيا الذي يتبعها ويتبجح بها، إسلام، مسيحية، بوذية، قومية...إلخ.


وهذا ما أكد عليه الجبران في طول كتابه وعرضه كما عرضت بمقالي السابق. 


لذا إن وجدت في الجنة سارقي الأرواح والوجود، سارقو العقول، سارقو الحق والحقيقة، أو الذين يتخذون الظلم والنفاق دينا لهم، ثم يرفعون إسم الإيمان ويتبجحون به، فلن أدخلها. شرف لي أن أدخل النار عنها حينها. فخير لي النار مع العدل، ولا الجنة مع الظلم. وهذا ما لا يفهمه الكثير، لأن القضية قضية مبدأ، حق، حقيقة، صدق، عدالة، قبل أن تكون قضية جنة ونار. 


فلا يؤمن الناس أكثرهم بالله إلا لمصلحة تكمن في خوف من ناره، ورغبة بجنته. وليس حاجة وجودية ملحة لمعرفة الحقيقة والحق في وجه مسألته. وحتى لو كان الله ضد الحق نفسه، وهذا محال ويجب أن يكون محالا، يجب أن نقف مع الحق والحقيقة ضده ولو ألقانا في النار. وهذا محال ويجب، لأن الله هو الذي يمثل الحق والحقيقة، لا أن يقف ضدها. وهذا عين فلسفة علي بن أبي طالب عندما قال: إلهي، لم أعبدك خوفا من نارك، ولا طمعا في جنتك، وإنما وجدتك أهلا للعبادة فقط، فعبدتك. إذ لازم كلمة علي هو إني لو لم أجدك من أهل الحق والخیر والعدل ومع الناس، لكنتضدك، حتى وإن ألقیتني في النار. 


كما أني عبدتك هنا بمعنى أطعت واتبعت قیمك ولیس أصبحت عبدا لك كعبودیة العبید والسادة، بدلیل أن النص نفسه یقول بإعابة؛ (..فتلك عبادة العبید). لأن العبد یطیع سیده جبرا، لا طاعة مبدأ. بینما الحر یتبعها إیمانا بالمبدأ لا بالقائد، وبذهاب المبدأ تذهب الطاعة حتى وإن بقي القائد. بل في عین صراحة ابن أبي طالب بمقولته تلك، یبدو بكل وضوح أن الله لا یقبل أن یكون الإنسان رِقا حتى له (فتلك عبادة العبید). لأنه یعرض هذا المنطق كأمر معیب من الله نفسه، لا یمكن لأحد أن یتفاخر به أمام الله. لذا یتنزه ابن أبي طالب عنه أمام الله. وبمعیة كلمة علي تلك، أقول براحة، أنه ما خُلق الإنسان لیكون رِقا حتى للاهوته، وأكرر للاهوته ولیس لكهنوته. أي حتى لله، بینما في الواقع ینحدر هذا الإنسان لیكون عبدا لكهنوته ولیس للاهوته، بل حتى غیر المتدین مستعبد في أعرافه بذلك. فهو لا یقتنع مثلا بزواج دون معبد وعمامة. وهنا المصیبة كل المصیبة من قبل ومن بعد.


النص الأخير يتضمن كلاما للجبران



  • Muhannad Ajlani
    طالب علم نفس، مهتم بالعلوم الإجتماعية والإنسانية.
   نشر في 19 ديسمبر 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا